للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَبْصِ رَأْسِ المَالِ قَبْلَ الافْتِرَاقِ شَرْطُ بَقَائِهِ،

===

واجب التّسليم في الحالّ، فيتعيّن له موضع بالعقد. وقيّد المُسْلَم فيه بأن يكون لحمله مُؤْنة، لأنه لو لم يكن كذلك، كالمسك والزَّعْفَران، والكَافُورِ القليلة لا يحتاج فيه إلى بيان الإيفاء عندهم، لأنّ قيمته لا تختلف باختلاف المكان.

(وَقَبْصِ رَأْسِ المَالِ) أي مال السَّلَم (قَبْلَ الافْتِرَاقِ) أي افتراق العاقدين بالأبدان (شَرْطُ بَقَائِهِ) خبرٌ لمبتدأ مقدمٍ، أي شرط بقاء السَّلم صحيحاً، وبه قال الشّافعيّ. ولهذا صحّ السَّلم مع تأخير التّسليم إلى آخر المجلس. ولو مكثا إلى الليل، أو سارا فَرْسَخاً (١) ، أو نام أحدهما. وجوّز مالك تأخيره اليوم واليومين والثلاث بشرط. وقيل: لا يجوز، فإنْ أخَّر أكثر بغير شرطٍ فقولان. ولا فرق بين كون رأس المال ممّا لا يتعيّن كالنُّقود، أو ممّا يتعيّن كالعروض. أمّا إن كان ممّا لا يتعيّن فلئلا يفترقا عن دينٍ بدينٍ، وهو بيع الكالاء بالكالاء، أي النّسيئة بالنّسيئة، لِمَا رواه ابن أبي شَيْبَة، وإسحاق بن رَاهُويَه، والبزَّار في «مسانيدهم» من حديث موسى بن عُبَيْدة، عن عبد الله بن دِينارٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. ولفظ البزَّار ـ قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وعن بيع الكالاء بالكالاء، وعن بيع عاجلٍ بآجلٍ».

فالغرر: أن تبيع ما ليس عندك. والكالاء بالكالاء: دينٌ بدينٍ. والعاجل بالآجل: أن يكون له عليك ألف درهمٍ مؤجّلةً، فيتعجّل عنها بخمس مئة. وأمّا إن كان من العروض، فلأنّ السَّلم أَخْذُ عاجلٍ بآجل، والمُسْلَم فيه آجلٌ، فوجب أنْ يكون رأس المال عاجلاً، ليكون حُكْمُه على وَفْق اسمه. ولو أبى المُسْلَم إليه قبض رأس المال أُجْبِرَ عليه.

ومِن شروط السَّلم: وجود المُسْلَم فيه من وقت العقد إلى وقت التَّسليم، حتّى لو كان موجوداً حال العقد، معدوماً وقت التّسليم لا يجوز بالإجماع. ولو كان معدوماً حال العقد موجوداً وقت التّسليم، أو معدوماً بينهما لا يجوز عندنا، وهو قول الأوْزَاعِيّ. والمعتبر وجوده في السّوق الذي يُبَاع فيه في ذلك المصر. وقال مالك والشّافعيّ: يُشْتَرط وجوده حال حلوله فقط.

ولنا: ما رواه أبو داود وابن ماجه ـ واللفظ له ـ عن أبي إسحاق، عن النَّجْرَانيّ (٢)


(١) الفَرْسَخ: مقياس من مقاييس المسافات، مقداره ثلاثة أميال = ١٢٠٠٠ ذراع = ٥٥٤٤ مترًا. معجم لغة الفقهاء ص ٣٤٣.
(٢) في المطبوع: رجلٍ بحراني، والمثبت من المخطوط وهو الصواب لموافقته لما في سنن ابن ماجه ٢/ ٧٦٧، كتاب التجارات (١٢)، باب إذا أسلم في نخل بعينه لم يطلع (٦١)، رقم (٢٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>