للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَوْ كَانَ دَيْنًا وعَيْنًا بَطَلَ في حِصَّةِ الدَّيْنِ. وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ في رَأْسِ المَالِ، والمُسْلَم فِيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ

===

قلت لعبد الله بن عمر: أُسْلِمُ في نخلٍ قبل أنْ يُطْلِع؟ قال: لا. قلت: لِمَ؟ قال: إن رجلاً أسلم في حديقة نخلٍ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يُطْلِع النخل، فلم يُطِلْع النخل شيئاً ذلك العام، فقال المشتري: أؤخرك حتى يُطْلِعَ. فقال البائع: إنّما بعتك النّخل هذه السنة. فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للبائع: أَخذ من نخلك شيئاً»؟ قال: لا. قال: «بم تستحلّ ماله؟ اردد عليه ما أخذت منه، ولا تُسْلِمُوا في نخلٍ حتى يبدوَ صلاحُه». وفيه مجهولٌ كما علمت.

وما في البخاري عن أبي البَخْتَرِي قال: سألت ابن عمر عن السّلم في النّخل، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يصلح، وعن بيع الوَرِق نسأً بناجزٍ. وسألت ابن عبّاس عن السّلم في النّخل، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النّخل حتَّى يُؤْكَلَ منه.

فقد ثبت عن هذين الصّحابيين الكبيرين في العلم والتتبع أنهما فَهِمَا من نهيه عن بيع النّخل حتّى يصلح، بيعَ السّلم، فقد دلّ الحديث على اشتراط وجوده عند العقد، والاتفاق على اشتراطه عند المَحَلّ (١) .

(فَلَوْ كَانَ) رأس المال (دَيْناً وعَيْناً) من جنس واحد: بأن أسلم مئة درهم نقداً، ومئة درهم ديناً على المُسْلَم إليه في الكُرِّ (٢) (بَطَلَ) السّلم (في حِصَّةِ الدَّيْنِ) لأنّه دين بدينٍ، وصحّ في حصة النقد لوجود قبض رأس المال في المجلس. وقال زُفَر: يشيع الفساد ويبطُل العقد في حصة العين أيضاً، لأنّ هذا الفساد في صلب العقد. (وَلَا يَجُوزُ) أي لا يصحّ (التَّصَرُّفُ في رَأْسِ المَالِ) قبل قبضه، (وَ) لا التَّصرُّف في (المُسْلَم فيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) باستبدالٍ، أو توليةٍ، أو شركةٍ، أو إقالةٍ بخلاف ارتهانٍ أو حَوالةٍ.

أمّا في رأس المال، فلأنّ قبضه في المجلس حقّ الله تعالى، وفي التَّصرّف فيه قبل قبضه تعرّض لتفويت ذلك. وأمّا في المُسْلَم فيه، فلما أخرجه أبو داود، وابن ماجه والترمذي في «عِلَله الكبير» ـ وقال: لا أعرفه إلاّ من هذا الوجه، وهو حسنٌ ـ عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أسلم في شيءٍ، فلا يصرِفْه إلى غيره». وما روى عبد الرَّزّاق في «مصنفه» عن مَعْمَر، عن قَتَادة، عن ابن عمر أنه قال: إذا أسلفت في شيءٍ، فلا تأخذ إلاّ رأس مالك أو الذي أسلفت فيه.


(١) المقصود من المحل هنا: حلول الأجل. انظر لمزيد تفصيل "فتح القدير" ٦/ ٢١٣.
(٢) سبق شرحها ص (٣٥٦)، التعليقة رقم: (٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>