للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُصلِّي بواحدٍ ما شاء.

===

معه ماءٌ، وكذا حُكمُ الدَّلْو والرِّشاء (١) ، وهذا عند أبي حنيفة لأنه لا يلزمُه الطلبُ مِنْ مِلْك الغير، ولأنَّ السؤال مَذَلَّة ومهانة، وفيه بعضُ حرج وزيادةُ كُلفة. وعندهما: لا يصحُّ التيمُّمُ إلا بعدَ الطلب، لأنَّ الماءَ مبذولٌ عادة، وقد سأل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعضَ حوائجه مِنْ غيره. وقيل: لا خلاف، فمرادُ أبي حنيفة إذا غلَبَ على ظنِّه منعُه إياه، ومرادُهما إذا غلَبَ عليه عدَمُ منعه، ولذا لم نجد (٢) في «الكافي» خلافاً، وقال: إن كان مع رفيقه ماءٌ فظَنَّ أنه إن سأله أعطاه لم يَجز التيمم، وإن ظنَّ أنه لا يعطيه جاز (٣) ، وإن شك (في الإِعطاء) (٤) وتيمَّمَ وصلَّى وسأله فأعطاه يُعيده لأنه ظهر أنه كان قادراً، وإن منَعَه قبل شروعه وأعطاه بعدَ فراغه لم يُعِد لأنه لم يَتبيَّن أنَّ القدرة كانت ثابتة.

(ويصلي بواحدٍ) أي بتيمُّمٍ واحدٍ (ما شاء) أي من أداءِ الفرائض وقضائِها والنوافلِ.

وقال مالك والشافعي: لا يَجمَعُ بين فرضين بتيمم واحد. والخلافُ يُبنَى تارةً على أنه رافعٌ للحدث عندنا مبيحٌ عندهم، وتارةً على أنه طهارةٌ ضروريةٌ عندهم، مطلقةٌ عندنا. وقال أحمد: إذا تيمَّمَ صلَّى الصلاةَ التي حضَرَ وقتُها والفوائتَ والتطوُّعَ، إلى أن يدخل وقتُ صلاة أخرى.

ولنا حديثُ أبي ذَرّ السابق (٥) وهو قولُه صلى الله عليه وسلم «الصَّعيدُ الطيِّب وُضوءُ المسلم ولو إلى عَشْرِ حِجَج ما لم يجد الماءَ»، فقد جعله صلى الله عليه وسلم وُضوءاً عند عدمِ الماءِ مطلقاً، فوجب أن يكون حُكمُه كحكم الوضوء، فوجب القولُ بارتفاع الحدَثِ إلى وجود الماء، ويؤيِّدُه قولُه تعالى: {ولكنْ يُريد ليُطَهِّرَكُم} (٦) .

ولا مُتمسَّكَ للشافعي في قوله: إنَّ التيمم لا يَرفعُ الحدَثَ لقوله صلى الله عليه وسلم لعَمْرو بن العاص حين صَلَّى بالتيمم عن الجنابة: «ما حمَلَكَ على أن صلَّيتَ بأصحابك وأنت جنب»؟ لاحتمالِ أنه تيمَّم مع القدرة أو ظَنَّ صلى الله عليه وسلم منه ذلك، بل هو الظاهِرُ، لأنه صلى الله عليه وسلم قال له على وجه الإِنكار، ولا يُنْكِرُ صلى الله عليه وسلم التيمَّمَ في موضع يجوز، ولمَّا بيَّنَ له السبَبَ تركه.


(١) مرّ شرحه ص ٩٨، التعليقة رقم (١).
(٢) في المخطوطة: "يحك" بدل "نجد".
(٣) عبارة المخطوطة: "لم يجز التيمم، وإن كان عنده أنه لا يعطيه يتيمم".
(٤) ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط.
(٥) الصفحة الماضية.
(٦) سورة المائدة، آية: (٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>