للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذِّمِّيُّ في البَيْعِ كَالْمُسْلِمِ، إلّا في الخَمْرِ وَالخِنْزِيرِ، فَهُمَا كَالخَلِّ وَالشَّاةِ في عَقْدِنَا. وَدرهَمٌ نُثِرَ فَوَقَعَ في ثَوْبِ رَجُلٍ فَهُوَ لَهُ، إنْ أعَدَّهُ لَهُ أوْ كَفَّهُ، وإلّا

===

الأئمة لجواز بيع الكلب ونحوه أن يكون مُعَلَّماً أو قابلاً للتّعليم. وقال الشّافعي: لا يصحّ بيع الكلب مطلقاً، لأنّه نجس العين كالخنزير، وكذا عندنا في روايةٍ، وهو قول أحمد وبعض أصحاب مالك، والمشهور من مذهبه الجواز. وأمّا اقتناء الكلب لصيدٍ أو لحفظ الزّرع أو المواشي أو البيوت فجائزة بالإجماع. لهم: ما روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الأنصاريّ: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البَغِيِّ (١) ، وحُلْوَان الكاهن» (٢) . ولنا: ما روى أبو حنيفة في «مسنده» عن الهَيْثَم، عن عِكْرَمَةَ، عن ابن عبّاس قال: رخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمن كلب الصيد.

(والذِّمِّي في) أحكام (البَيْعِ كَالْمُسْلِمِ) لأنّه مكلفٌ بموجب المعاملات، فما جاز للمسلم من البِياعات جاز له، وما لا فلا، كالرِّبا (إلاّ في الخَمْرِ وَالخِنْزِيرِ فَهُمَا) في عقد الذِّمِّيّ (كَالخَلِّ وَالشَّاةِ في عَقْدِنَا) فيكون الخمر عندهم مِثْلياً والخنزير قيمياً، لما روى عبد الرَّزَّاق في «مصنفه» عن سفيان الثَّوْريّ، عن إبراهيم بن عبد الأعْلى الجُعْفِيّ، عن سُوَيْد بن غَفَلة قال: بلغ عمر بن الخطَّاب أنّ عُمَّاله يأخذون الجِزْية من الخمر، فناشدهم ثلاثاً. فقال له بلال: إنهم ليفعلون ذلك. قال: فلا تفعلوا، ولُّوهم بيعها، فإن اليهود حُرِّمَت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها.

ورواه أبو عُبَيْد في «كتاب الأموال»، وقال: كانوا يأخذون من أهل الذِّمة الخمر والخِنزير في جزية رؤوسهم، وخَراج أراضيهم بقيمتها، ثم يتوّلى المسلمون بيعها. فهذا الذي أنكره بلال ونهى عنه عمر. ورخّص لهم أن يأخذوا ذلك من أثمانها إذا كان أهل الذِّمة المتولين بيعها، لأنها مالٌ لهم وليس بمالٍ للمسلمين. انتهى.

وسُوَيْد بن غَفَلة، بفتح المعجمة والفاء: أبو أميّة الجُعْفِيّ، وُلِدَ عام الفيل، قَدِمَ المدينة حين دفنوا النبيّ صلى الله عليه وسلم، سمع من أبي بكر وعمر.

(وَدرهَمٌ نُثِرَ فَوَقَعَ في ثَوْبِ رَجُلٍ فَهُوَ لَهُ) أي الدرهم للرجل (إنْ أعَدَّهُ) أي أعدّ الرجل الثوب (لَهُ) أي لوقوع الدّرهم، (أوْ) إن (كَفَّهُ) أي جمع الرّجل الثوب بعد وقوع الدرهم فيه، لأن الحكم لا يُضاف إلى السبب الصالح إلاّ بالقصد، وقد وُجِدَ ما يدل عليه وهو إعداد الثوب أو جمعه. (وإلاّ) أي وإن لم يعدّ الرجل الثوب ولم يجمعه على


(١) مهر البَغِيِّ: أجرة الفاجرة. المصباح المنير، ص ٥٨٢، مادة (مهر).
(٢) حُلْوان الكلاهن: هو ما يُعْطاه من الأجر والرِّشوة على كَهَانَتِهِ. النهاية ١/ ٤٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>