ولا يمنعهم من ذلك لأن القاضي لا يمنع مَنْ أقدم على إتلاف ماله.
(وَلَا) يُقْسَمُ (الجِنْسَانِ) من العروض، (وَ) لا (الرَّقِيقُ)، (وَ) لا (الجَوَاهِرُ)، (وَ) لا (الحَمَّامُ) وفي معناه البئر والرَّحى (إلاّ بِرِضَاهُمْ) أمّا الجنسان فلأنّه لا اختلاط بينهما، فلا تقع القسمة فيهما تميزاً بل معاوضة، وسبيلها التّراضي دون جبر القاضي. وأمّا الرّقيق فقال أبو يوسف ومحمد ومالك والشّافعيّ رحمهم الله: يقسم لاتحاد الجنس وكون التفاوت في القيمة (١) ، وهو لا يمنع صِحة القسمة كما في الإبل والغنم، ولذا يقسم الرقيق في الغنيمة بين الغانمين كسائر الأموال.
ولأبي حنيفة: أَنّ التّفاوت في الرّقيق أظهر منه في الأجناس المختلفة، فإنها قد تتفاوت في المالية، والرقيق يتفاوت تفاوتاً فاحشاً. ثمَّ قسمة الجبر لا تجري في الأجناس المختلفة فكذا في الرقيق، وهذا لأنّ حق الغانمين في المالية دون العين، حتّى كان للإمام بيعها وقسمة ثمنها بينهم، فكان المعتبر إيصال مقدار من المالية إلى كلّ واحدٍ.
وأمّا شركة الملك فحقّ الشُّركاء في العين والمالية، وللإمام حقّ التمييز بالقسمة على طريق المعادلة وليس له ولاية المعاوضة. فإذا تعذّر اعتبار المعادلة هنا بطريق التمييز لا يثبت للقاضي ولاية الإجبار على القسمة. وأمّا الجواهر فلأنّ جهالة الجواهر أفحش من جهالة الرّقيق. وأمّا الحمَّام ونحوها من البئر والرّحى والحائط بين دارين، فلأنّ القسمة لتكميل المنفعة، وإذا لم يبق كل نصيبٍ مُنَتفعاً به بعد القسمة انتفاعاً مقصوداً، لا يتحقق معنى القسمة، فلا يقسم القاضي. بخلاف التَّراضي لالتزامهم الضرر.
(وَدُورٌ) سواء كانت في مِصْر أو مصرين، وهو مبتدأ (مَشْتَرَكَةٌ) ـ بفتح الراء ـ صفته (أوْ دَارٌ وَضَيْعَةٌ، أو دَارٌ وَحَانُوتٌ) عطف، والخبرُ (قُسِمَ كُلٌّ) أي كل واحدة (وَحْدَهَا) ولم يجمع نصيب أحدهم في أحدها. أمّا الدّار والضيعة، والدّار والحانوت فبالاتفاق لاختلاف الجنس. وأمّا الدّور فما ذُكِر قول أبي حنيفة رحمه الله. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: تُقْسَمُ الدّور بعضها في بعضٍ إذا كانت في مصرٍ واحدٍ، وكانت القسمة خيراً لهم.
(وَصَحَّتْ) قسمة الدُّور المشتركة وما ذُكِرَ معها (بالتَّرَاضِي) على جمع نصيب أحد الشُّركاء في أحدها، لأنّ في القسمة معنى المبادلة فتصحّ بالتّراضي كسائر