للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجبُ طَلَبُهُ قَدْرَ غَلْوَةٍ إِنْ ظنَّه قريبًا

===

الطهارتين كالطامع في الجماعة نُدِبَ له تأخيرُ الصلاة إلى آخر الوقت، لكن لا يبالغ في التأخير لئلا تقع الصلاة في وقت الكراهة.

(ويجبُ طلَبُهُ) أي طلبُ الماءِ أو طلبُهُ الماءَ، بأن يَنظر يمينه وشِماله وأمامه ووراءه، كذا ذكره الشُّمُنِّي. والظاهر أنه يجب عليه الطلبُ من جانبِ ظنِّه ما يُقدَّرُ (قَدْرَ غَلْوَةٍ) بفتح معجمة وسكون لامٍ، وهي: مقدارُ رَمْيَةٍ (١) وهو الصحيح (إِنْ ظَنَّه قريباً).

وقال مالك والشافعي: يجبُ الطلبُ مطلقاً لقوله تعالى: {فلم تَجِدوا ماءً} (٢) . وهو يفيد وجوبَ الطلب.

ولنا ما روى أبو داود والحاكم وصحَّحه: عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمَّما صعيداً طيِّباً ـ يعني فصَلَّيا ـ ثم وَجَدا الماءَ في الوقت، فأعاد أحدُهما الصلاة ولم يُعِد الآخر، ثم أتيا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فذَكرا له ذلك، فقال للذي لم يُعِد: «أصبتَ السُّنَّة وأجزأَتْك صلاتك، وللذي توضَّأ وأعاد: لك الأجْرُ مرَّتين».

وفي «المحيط»: ولو قَرُبَ من الماء وهو لا يَعلمُ به ولم يكن بحضرته من يسأله عنه أجزأه التيمم، لأنَّ الجهل بقُربه من الماء كبُعْده عنه، ولو كان بحضرته من يسأله فلم يسأل حتى تيمَّم وصلَّى، ثم سأله، فأخبره بماءٍ قريب لم تَجُز صلاته، لأنه قادر على استعمال الماء بواسطة السؤال، فإذا لم يَسأل جاء التقصير مِنْ قِبَلِه فلم يُعذَر، كمن نَزَل بالعُمْران ولم يطلب الماء لم يَجز تيمُّمُه. وإن سأله في الابتداء فلم يُخبره حتى تيمَّم وصلَّى، ثم أخبره بماءٍ قريب جازت صلاته، لأنه فَعَل ما عليه، وإنْ وجَدَه بثمن زائد على المثل زيادةً لا يَتغابَنُ الناسُ فيها يتيمَّم، لأنه لا يصل إلى استعماله إلا بإتلافِ بعضِ مالِه بلا عِوَض، وحُرمة المال كحرمة النفس.

وإن وجده بثمنِ المثل أو بزيادةٍ يُتغابَنُ فيها لم يتيمم ولزِمَه الشراء، لأنَّ القدرة على البَدَل كالقدرة على الأصل، كمَنْ عليه كفَّارة ولم يَملك رقبة، ولكنه مَلَك ثمنَها،


(١) أي رمية سهم. المصباح المنير ص ١٧٢، مادة (غلا)، والغلوة: ثلاث مئة ذراع إلى أربع مئة. المغرب في ترتيب المعرب ١/ ١١١، مادة (غلو) وهي تساوي اليوم ١٨٤.٨٠ مترًا. معجم لغة الفقهاء. ص ٣٣٤.
(٢) سورة المائدة، آية: (٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>