للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تَصِحُّ في مُشَاعٍ يُقْسَمُ.

===

وبه قال أبو ثور والشَّافعي في القديم، وعلى هذا الخلاف الصدقة.

ولنا، وهو قول الشّافعي في الجديد وأكثر الفقهاء: ما روى مالك في «الموطأ» في كتاب القضاء عن ابن شِهَاب، عن عُرْوَة، عن عائشة أنها قالت: إنّ أبا بكر كان نَحَلَها جُذَاذ عشرين وَسْقاً بالعالية، فلمّا حضرته الوفاة قال: ما من النّاس أحد أحبّ إليّ غِنَى بعدي منكِ، ولا أعزّ عليّ فقراً منكِ، وإني كنت نَحَلْتُك جُذَاذ عشرين وَسْقاً (١) فلو كنت حُزْتِيهِ كان لكِ فإنّما هو اليوم مال وارثٍ، وإنما هما أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله. وفي رواية: يا بُنَيّة إني كنت نحلتك نحلاً من خيبر، وإنّي أخاف أن أكون آثرتك على ولديّ فإن لم تكوني حُزْتِيهِ فرديه على ولديّ. فقالت: لو كانت لي خيبر بُجِذَاذِها لرددتُها.

والِجُذَاذ بضم الجيم وبكسرها وبمعجمتين: ما قطع من الشيء. وما روى عبد الرّزّاق في «مصنفه» عن عمر بن الخطّاب أَنه قال: لا نُحْل إلاَّ لمن حازه فَقَبَضَه. وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب: أيما رجلٍ نحل من قد بلغ الحوز فلم يدفعه إليه فتلك النّجْلة باطلةٌ. وأَما ما في «الهداية»: لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تجوز الهبة إلا مقبوضة» فغير معروف.

(ولَا تَصِحُّ) الهبة (في مُشَاعٍ يُقْسم) أي يحتمل القسمة، سواء وهبه من شريكه أو من غيره. قيّد به لأنّ المُشاع الذي لا يحتمل القِسمة، تصحّ هبته. ثم كلّ شيءٍ يضرّه التبعيض ويوجب نقصاناً في ماليته لا يحتمل القسمة كعبدٍ واحدٍ، ودابةٍ واحدةٍ، والبيت الصغير، والحمّام الصغير، وما ليس كذلك يحتملها.

وقال مالك والشّافعيّ وأحمد: تصحّ هبة المشاع سواء احتمل القسمة أو لا، لقوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلاّ أنْ يَعْفُونَ أوْ يَعْفُوَ الذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (٢) ، فإِنّه يقتضي بعمومه أنّ الصَّدَاق إذا كان عيناً يتنصّف بالطَّلاق قبل الدخول، ويُنْدَبُ كل واحدٍ من الزَّوجين إلى ترك الكلّ للآخَر، وذلك هبة المُشاع. ولِمَا في «صحيح البخاري» من أنّ وفد هوازن لمّا جاءوا يطلبون من النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يردّ عليهم ما غَنِمَه منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم». وهذه هبة مشاعٍ.

وأُجِيبَ عن الآية: بأنّ العفو حقيقة في الدَّيْنِ دون العين، وإسقاط الدّين جائزٌ، مشاعاً كان أو غير مشاعٍ، لأنه غير محتاج إلى القبض. وفي العين كلّ واحدٍ منهما مندوبٌ إلى العفو عندنا، ولكن بأن يهَب نصيبه لصاحبه بعد القِسمة، وليس في الآية


(١) سبق شرحها ص (٣٣٥)، التعليقة رقم: (١).
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>