للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنْ قَسَمَ وَسَلَّمَ صَحَّ. وَكَذَا هِبَةُ لَبَنٍ في ضَرْعٍ، وَنَحْوِهِ، وَلَا دَقِيقٍ في بُرّ وَإنْ طُحِنَ وَسُلِّمَ.

===

ما يمنع ذلك. وعن حديث وفد هَوَازِن: بأن ذلك كان بعد القسمة. واعتمادنا في المسألة على إجماع الخلفاء الراشدين، فقد رُوِّيَنا عن أبي بكر ما مرّ آنفاً. وعن عمر أنه قال: ما بال أحدكم يتصدّق على ولده بصدقةٍ لا يَحُوزْها ولا يقسمها، يقول: إن أنا مِتُّ كان له، وإن مات هو رجعت إليّ. وايم الله لا يتصدّق منكم رجلٌ على ولده بصدقةٍ لم يَحُزْها ولم يقسمها ثم مات إلاّ صارت إرثاً لورثته. وهكذا نُقِلَ عن عثمان، وعن علي: مَنْ وهب ثلث كذا، أو ربع كذا، لا يجوز حتّى تقاسم.

(فإنْ قَسَمَ) الكلَّ قبل التّسليم (وَسَلَّمَ) أي الجزء الموهوب (صَحَّ) عقد الهبة، لأنّ تمام الهبة بالقبض وعنده لا شيوع، والمؤثّر هو الشيوع عند القبض لا عند العقد، حتّى لو وهب الكلّ وسلّم النصف لا يجوز. ولو وهب النصف (ثم النصف) (١) الآخر وسلم الكلّ جاز.

(وَكَذَا) أي وكهبة المشاع في عدم الصّحة (هِبَةُ لَبَنٍ في ضَرْعٍ، وَ) هبة (نَحْوِهِ) من صوف على ظهر غنمٍ، وزرعٍ أو نخلٍ في أرضٍ، وتمرٍ في نخلٍ، فإنّها لا تصحّ لأنّها متصلةٌ بملك الواهب اتصال خِلْقَةٍ فكانت بمنزلة المشاع الذي يحتمل القسمة، فلا تتمّ الهبة فيها بدون الإفراز والحِيَازة، فإن فصلت عن ملك الواهب وقبضها الموهوب له تصحّ، لأنّ امتناع الجواز لاتصال الموهوب بملك الواهب مع إمكان فصله منه، وقد زال ذلك الاتصال.

(وَلَا) تصحّ هبة (دَقِيقٍ في بُرّ وَإنْ طُحِنَ) البر (وَسُلِّمَ) الدّقيق، ولا دهن في سِمْسِم، ولا سمن في لبنٍ وإن اسْتُخْرِجَ وسُلِّم، لأنّ الموهوب معدومٌ وهو ليس بمحلٍ للملك، بخلاف المشاع الذي يحتمل القسمة، لأنّه محلٌ للتمليك، وبخلاف اللبن في الضَّرع ونحوه، لأنه بمنزلة المشاع، وامتناع الجواز فيه ليس لكونه معدوماً بل لاتصاله بملك الواهب.

وخلاصة الفرق بين المسألتين: أَنَّ اللبن ونحوه موجودٌ بصورته عند العقد بخلاف الدّقيق، فإنه إنّما يوجد بالطحن وكذا السمن والخلّ (٢) .

ولا تصحّ هبة الدين لغير المديون لعدم تصوّر القبض إلاّ إذا أمره بقبضه له وكالةً، ثم بقبضه لنفسه، فحينئذٍ تصحّ لوجود القبض. وتتوقف هبة الدين للمديون على


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٢) في المطبوع: النخل، والمثبت من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>