للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهِبَةُ مَا مَعَ المَوْهُوبِ لَهُ تَامَّةٌ، كَهِبَةِ الأبِ لِطِفْلِهِ وَقَبْضُهُ عَاقِلًا، وَقَبْضُ مَنْ يُرَبِّيهِ وَهُوَ مَعَهُ، وَالزَّوْجِ بَعْدَ الزِّفَافِ مُعْتَبَرٌ في هِبَةِ الأجْنَبِيِّ لَهَا.

===

قَبوله، فإن قَبِله امتنع الرُّجوع فيه، لأنّه سقط عنه. وإِن قال: لا أقبلها (١) ، فالدَّينُ عليه بحاله. وأمّا الإبراء فيتمّ من غير قبوله، ولكن للمديون أن يردّ قبل موته. وعن زفر: إنه سّوى بينهما، وقال: تتمّ الهبة والإبراء قبل القبول. ولو قال: إن أديت نصفه فلك نصفه، أو أنت بريءٌ من النصف الباقي، كان الإبراء باطلاً.

(وَهِبَةُ مَا) مبتدأ مضاف إلى «ما»، أي: شيءٍ أو الشيء الذي (مَعَ المَوْهُوبِ لَهُ) صفة «ما» أو صِلتها (تَامَّةٌ) خبر المبتدأ، يعني: أَنْ هبة الوديعة للمودَع، والعَارِيَّة للمستعير، والمغصوب للغاصب غير محتاجة إلى قبضٍ جديدٍ، لأن الموهوب حينئذٍ في يد الموهوب له حقيقةً، فلا يحتاج إلى قبضٍ آخر (كَهِبَةِ الأبِ) أي كما أَنَّ هبة الأب (لِطِفْلِهِ) تامّة بالعقد، ولا تحتاج إلى قبضٍ جديدٍ.

ولا فرق بين ما في يده أو يد مودَعه، لأنّ يد المودَع كيد المودِع بخلاف ما إذا كان مرهوناً أو مغصوباً. وكذا هبة الأمّ لطفلها إذا كان في عيالها والأب ميتٌ (ولا وصي له) (٢) ، لأنّ قبض الأمّ بمنزلة قبض الأب لو كان حياً، وكذا كلّ مَنْ يعوله كالعمّ والأخ، لأنّ هذا مَحْضُ نفعٍ للطفل، ولأنه لما كان له تأديبه وتسليمه في حرفة، كان له التصرّف النافع فينفرد بتمليكه، ويملكه بمجرّد الهبة إذا كان في يده كما في الأب.

(وَقَبْضُهُ) مبتدأٌ، أي قبض الطفل ما وُهِبَ له (عَاقِلاً) أي مميزاً، حال (وَقَبْضُ مَنْ يُرَبِّيهِ) قريباً كان أو أجنبيّاً (وَهُوَ مَعَهُ) أي والحال أَنّ الطفل في حِجْر من يربّيه، (وَ) قبض (الزَّوْجِ) ما وُهِبَ لزوجته الصغيرة (بَعْدَ الزِّفَافِ) بكسر الزاي، وهو الذّهاب بها إلى بيت الزّوج (مُعْتَبَرٌ) هذا خبر المبتدأ الذي هو قبضه وما عطف عليه. وقد وَهِم من قال: إن قبضه مجرورٌ عطفاً على هبة الأب.

(في هِبَةِ الأجْنَبِيِّ) متعلَّق بمعتبر (لَهَا) أي للمرأة. وفي نسخةٍ: له، أي للطفل، وهو أظهر. وفي بعض النسخ لم يقع فيها معتبر، فيكون قبضه حينئذٍ مجروراً بالعطف على هبة الأب، وفي هبة الأجنبي في محل النصب على الحال من قبض. وقال الشّافعيّ: لا يصحّ قبض الصغير لنفسه وإن كان عاقلاً وهو القياس، لأنه لا يعتبر بعقله قبل البلوغ، لأنّ الولاية عليه لا تزول عنه قبله.

ولنا، وهو وجه الاستحسان: أَنَّ عدم اعتبار عقله قبل البلوغ للنظر له، ودفع الضرر عنه، وذلك فيما كان متردّداً بين النفع والضَّرر. وأمّا النّفع المحض فيعتبر عقله


(١) في المخطوط: (أقبلها) بسقوط لام النفي. والمثبت من المطبوع.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>