للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

للوالد فيما وهب لولده. لهم: ما روى أصحاب السنن الأربعة ـ وقال الترمذيّ: حديثٌ حسنٌ ـ عن ابن عبّاس وابن عمر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلّ لرجلٍ أنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً (أو يهب هبةً) (١) فيرجع فيها، إلاّ الوالد فيما يُعطِي لولده. ومَثَلُ الذي يُعْطِي العطيّة ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل، فإذا شَبِع قاء ثمّ عاد في قيئه». وما رواه الجماعة إلاّ الترمذي من حديث أبي هريرة، وابن عبّاس، وابن عمر أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «العائد في هبته كالعائد في قَيئه». وعنه أيضاً: «العائدُ في هبته كالكلب يعود في قيئه». ولأنّها عقد تمليك فيلزم كالبيع. وإنما ثبت حقّ الرّجوع للوالد، لأنّ إخراجه عن ملكه لم يتمّ، لأن الولد من كسب الوالد.

ولنا: ما روى ابن ماجه من حديث أبي هُرَيْرَة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الرجل أحقّ بهبته ما لم يُثَب منها»، أي لم يعوض عنها. وأخرجه الدّارَقُطْنِيّ في «سننه»، وابن أبي شَيْبَةَ في «مصنفه»، ورواه الحاكم في «مستدركه» من حديث ابن عمرَ قال: صحيح على شرط الشيخين. ورواه الطَّبَرَانِيّ في «معجمه» من حديث ابن عبّاس، ولفظه: أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ وهب هبةً فهو أحقُ بهبته ما لم يُثَب منها، فإن رجع في هبته فهو كالذي يقيء ثم يأكل قيئه». وما روى عبد الرَّزَّاق في «مصنفه» عن سُفْيَان، عن منصور، عن إبراهيم قال: قال عمر: من وهب هبةً لذي رحمٍ، فليس له أنْ يرجع فيها. ومن وهب لغير ذي رحمٍ، فله أن يرجع فيها إلاّ أنْ يُثَاب منها.

وأُجيب عمّا رَوَوْهُ بأنّ المراد نفي الاستبداد بالرّجوع، أي لا ينفرد أحدٌ بالرُّجوع في هبته من غير قاضٍ، ولا تراضٍ إلاّ الوالد إذ احتاج إلى ذلك، فإنه ينفرد بالأخذ لحاجته. ويسمّى ذلك رجوعاً باعتبار الظاهر وإن لم يكن رجوعاً في الحكم. أو المراد: لا يحلّ له الرُّجوع ديانةً ومروءةً لا أنّه لا يحلّ له قضاءً وحكومةً، كقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يحلّ لرجلٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت شبعان، وجاره إلى جنبه طاوياً» (٢) ، أي لا يليق ذلك ديانةً ومروءةً وإنْ كان جائزاً قضاءً وحكومةً.


(١) ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط وهي صحيحة لموافقتها لرواية أبي داود ٣/ ٨٠٨ - ٨١٠، كتاب البيوع والإجارات (٢٢)، باب الرّجوع في الهبة (٨١)، رقم (٣٥٣٩)، ورواية المطبوع بدون هذه الزيادة موافقة لرواية الترمذي، كتاب الولاء والهبة (٣٢)، باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة (٧)، رقم (٢١٣٢).
(٢) ورد الحديث بروايات متعددة في المستدرك للحاكم ٢/ ١٢، والبيهقي في الشعب ٨/ ٣١، رقم (٥٦٦)، والطبراني في معجمه الكبير ١٢/ ١٥٤، ١/ ٢٥٩ - أقربها إلى الرواية المذكورة رواية الطبراني في "معجمه الكبير" ١/ ٢٥٩ عن أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائعٌ إلى جنبه وهو يعلم به".

<<  <  ج: ص:  >  >>