للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَمْنَعُهُ زَيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَمَوْتُ أحَدِهِمَا، وَعِوَضٌ أُضِيفَ إلَيْهَا وَلَوْ مِنْ أَجْنَبِيّ،

===

ولأنّ التشبيه بالكلب لاستقباح الرُّجوع واستقذاره لا لحرمته. ويؤيّد ذلك ما روى البخاري: أنّ عمر (١) لمّا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء فرسٍ حَمَلَ عليه (٢) في سبيل الله، قال عليه الصلاة والسّلام: «لا تبتعه ولا تَعُدْ في صدقتك، فإنّ العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئة»، فكما لم يكن التشبيه بالكلب موجباً لحرمة ابتياع ما تصدّق به، لم يكن التشبيه بالكلب موجباً لحرمة الرُّجوع في الهبة. وشرطنا في صحة الرُّجوع تراضيهما أو حكم القاضي، لأنّه لو استردّها بغير ذلك كان غاصباً، حتّى لو هلكت في يده يضمن قيمتَها للموهوب له.

(وَيَمْنَعُهُ) أي الرُّجوع في الهبة سبعةُ أشياءَ أحدها: (زَيَادَةٌ) في نفس الموهوب (مُتَّصِلَةٌ) كالغرس والبناء في الأرض الموهوبة، والسّمن المورث زيادة في قيمة الموهوب، إذ لا وجه للرَّجوع بدون الزِّيادة لعدم الانفصال ولا معها، لأنّ الرّجوع إنّما يصحّ للموهوب، والزّيادة ليست بموهوبةٍ. قيّد بالزيادة، لأنّ النقصان لا يمنع. وقيّدها بالمتصلة، لأنّ المنفصلة لا تمنع، كما لو كانت الهبة أمةً فولدت عند الموهوب له من زوجٍ أو فُجُور، لأنّ الرّجوع في الأصل دون الزِّيادة ممكنٌ. وقيّدنا بكونها في نفس الموهوب، لأنّها لو كانت في قيمته كقراءةٍ أو كتابةٍ ونحوهما لا تمنع، لأنها حينئذٍ لرغبة النّاس فيه، إِذْ العين بحالها.

(وَ) ثانيها: (مَوْتُ أحَدِهِمَا) أي الواهب والموهوب له. أمّا موت الموهوب له، فلأنّ الملك قد انتقل إلى وارثه، فكأنّه انتقل في حال حياته. وأمّا موت الواهب فلأنّ وارثه لم يهَب، والرُّجوع إنما هو للواهب.

(وَ) ثالثها: (عِوَضٌ أُضِيفَ إلَيْهَا) أي إلى الهبة. ولا بدَّ أن يذكر لفظاً يعلم الواهب منه أَنّ ذلك عوض هبته، كأنْ يقول: هذا عوض هبتك، أو جزاؤها، أو بدلها، أو في مقابلتها. (وَلَوْ) كَانَ العوض (مِنْ أَجْنَبِيّ) لأنّه لإسقاط حقّ الرُّجوع في الشّرع فيصحّ من الأجنبيّ، كبَدَل الخُلْع. وأمّا لو لم يضف العوض إلى الهبة: بأن وهب للواهِب شيئاً (ولم يقل هذا عوض هبتك أو نحوه) (٣) كان ذلك هبةً مبتدأة لا تعويضاً،


(١) حُرِّفَت في المخطوط والمطبوع إلى ابن عمر، والصواب ما أثبتناه لموافقته لما في صحيح البخاري (فتح الباري) ٥/ ٢٣٥، كتاب الهبة (٥١)، باب لا يحلّ لأحدٍ أن يرجع في هبته وصدقته (٣٠)، رقم (٢٦٢٣).
(٢) حمل عليه: تصدّق به، فتح الباري (٥/ ٢٣٦).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>