للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَهُ حِفْظُهَا بِنَفْسِهِ وبِمَنْ في عِيَالِهِ، وإِن نُهي. والسَّفَرُ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ النَّهْي والخَوْفِ،

===

فلا ضمان عليه». وقال مالك رحمه الله: «إِذا سُرقت الوديعة من عند المُودَع ولم يُسرق له معها مالٌ، يَضْمن للتهمة. قلنا: هو مُتَبرِّعٌ في حفظها لصاحبها، والتبرع لا يوجِب ضماناً على المتبرع، لقوله عليه الصلاة والسلام: «ليس على المُسْتَوْدَع غير المُغِلّ ضمان» (١) . والمُغِلّ: الخائن، والإِغْلال: الخيانة.

(ولَهُ) أَي للمودَع (حِفْظُهَا) أَي الوديعة (بِنَفْسِهِ وبِمَنْ في عِيَالِهِ) من زوجته، وولده، ووالدَيْه، وأَجِيره الخَاصّ الذي استأَجره مشاهرةً، أَوْ مسانهةً. والعبرة في هذا الباب للمساكنة لا للنَّفقة. (وإِن (٢) نُهي) عن حِفْظها بهم. وقال الشافعي رحمه الله: ليس للمودَع أَنْ يدفعها إِلى مَنْ في عياله، لأَن مالكها رَضِي بِحِفْظه لا بِحِفْظ غيره.

ولنا أَنْ الواجب عليه أَنْ يَحْفظها حِفْظ مال نفسه، وهو يحفظه بعياله، لأَن المودَع لا يمكنه ملازمةُ بيته لحفظ الوديعة، ولا استصحابها معه في خروجه، فلم يكن له بُدٌّ من حِفْظها بِمَنْ في عياله. وفي «الذخيرة»: الدَّفْع إِلى مَنْ في العيال إِنَّما يجوز إِذا كان أَمِينَاً، ولو دفعها المودَع إِلى أَمينٍ من أُمَنائه ليس في عياله يجوز، وعليه الفتوى.

(و) للمودَع (السَّفَرُ بِهَا) أَي بالوديعة وإِن كان لها حمل (و) (٣) مُؤْنة (عِنْدَ عَدَمِ النَّهْي) من صاحب الوَدِيعة (و) عدم (الخَوْفِ) بأَن كان الطريق أَميناً لا يقصد فيه أَحدٌ بسوءٍ غالباً، ولو قصده يمكنه دَفْعُهُ بنفسه أَوْ برفقته. وقال أَبو يوسف رحمه الله: له السَّفَرُ بها إِنْ كانت المسافة قصيرةً، وإِنْ كانت طويلةً فليس له ذلك فيما له حمل ومُؤْنَة. وقال محمد رحمه الله: ليس له السفر بها فيما له حمل ومؤنة، إِذْ الظاهر من حال صاحبها أَنه لا يرضى بها، وصار كالوكيل بالبيع ليس له السفر بالمبيع، وإِن سافر به ضَمِن.

وقال الشافعي رحمه الله: ليس له ذلك مُطْلقاً، لأَنَّ المتعارَف هو الحفظ في الأَمصار دون المفازات والأَسفار. وقال مالك رحمه الله: ليس له ذلك إِذا قدر أَنْ يردها على صاحبها، أَوْ وكيله، أَوْ الحاكم، أَوْ أَمينه. ولأَبي حنيفة رحمه الله أَنه أَمَرَه بالحفظ من غير تقييد فلا يتقيد بمكانٍ دون مكان، كما لا يتقيد بزمان دون زمان.


(١) أخرجه الدارقطني في سننه ٣/ ٤١، كتاب البيوع.
(٢) "إن" وصلية.
(٣) في المطبوعة: أَو، وما أَثبتناه من المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>