قَيَّد «بعدم النهي وعدم الخَوْف»، لأَن المودَع ليس له السفر بالوديعة إِذا نهاهُ رَبُّهَا عنه بِلا خلافٍ بين العلماء.
(ولوْ حَفِظَ) المودَع (بِغَيْرِهِم) أَي بغير نَفْسِهِ وعياله (ضَمِنَ) لأن المالك رضي بيده لا بيد غيره، والأَيدي تختلف بالأَمانة (إِلاَّ إِذَا خَافَ) المودَع على الوديعة (الحَرْق) بأَن وقع حريق في داره (أَوْ) خاف عليها (الغَرَق) بأَن كان في السفينة وهبت الريح (فَوَضَعَهَا عِنْدَ جَارِهِ) في خوف الحرق (أَوْ في فُلْكٍ آخَر) في خوف الغَرَق فإِنه لا يَضْمن، لأَنْ فِعْله هذا تَعَيَّنَ للحفظ فصار مَأَذوناً له دلالةً.
وفي «النهاية»: عن محمد: أَنْ المودَع إِذا دفع الوديعة إِلى وكيله وليس في عياله، أَوْ دفع إِلى أَمين من أُمنائه مِمَّنْ يثق به في مالهِ وليس في عياله، لا يضمن، لأَنَّه حَفِظَهَا مِثْل ما يحفظ ماله، ولا يجب عليه أَكثر من ذلك. ثم قال: وعليه الفتوى. وعزاه إِلى التُّمُرْتَاشِي، وهو إِلى الحَلْوَانِي، ثُم قال: وعن هذا لم يشترط في «التحفة» الحِفْظ بالعيال، بل قال: ويلزم المودَع إِذا قَبِل الوديعة حِفْظها على الوجه الذي يحفظ ماله.
(فإِنْ حَبَسَهَا) أَي المودَع ـ الوديعة ـ (بَعْدَ طَلَبِ رَبِّهَا) حال كون المودَع (قَادِرَاً عَلَى التَّسْلِيم، أَوْ جَحدها) مع ربِّها، سواء أَقَرَّ بها بعد الجحود أَوْ لا. قيدنا الجُحُود بكونه مع رب الوديعة، لأَنه لو كان مع غيره بأَن قال له أَجنبي: أَعندك وديعةٌ لفلان؟ فقال: ليس لفلان عندي وديعة، لا يضمن، خلافاً لِزُفر، وهو يقول: الجحود سبب الضَّمَان، سواء كان عند المالك أَوْ غيره، كالإِتلاف حقيقةً. ولنا أَنَّ الجحود عند الأَجنبي من باب الحِفْظ، لأَنه يقطع طمع الطامعين عنها، وبه قال مالك، والشافعي، وأَحمد.
(أَوْ خَلَط) المودَع الوديعة (بِمَالِهِ حَتَّى لا يَتَمَيَّز) كالحِنْطة بالحِنْطة، أَوْ تَعَسَّر تميزه، كالحِنْطة بالشعير، وكخلط المائع بغير جنسه: مثل خَلْط الزيت بالشَّيرَج (١) . وأَسْنَد الخَلْط إِلى المودَع، لأَنها لو اختلطت بماله بغير فعله كان شريكاً لصاحبها بالاتفاق، وسيذكر المصنف هذا. وقيد الخلط بعدم التميز، لأنه لو خَلَطها وكان
(١) الشَّيرَج: الدُّهن الأَبيض. المغرب ١/ ٤٣٦، وتاج العروس ٦/ ٦٢. مادة (شرج).