للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإِن غَصَبَ وغَيَّرَ فَزَالَ اسْمُهُ وأَعْظَمُ مَنَافعِه، ضَمِنَهُ ومَلَكَهُ بِلَا حِلٍّ قَبْل أَداء بَدَلِهِ، كَذَبْح شاةٍ وطَبْخِهَا، أَو جَعْلِ صُفْرٍ إِنَاءً،

===

وحاصله أَنه متى استفاد بالحرام مِلْكَاً من طريق الحقيقة ـ وهي فيما يَتَعَيَّن ـ، أَوْ الشُّبْهَةِ ـ وهي فيما لا يتعين ـ يَثْبُتُ الخُبْث، ولا يثبت في الدراهم إِذا استفاد بها الربح إِلاَّ الشبهة، لأَنه إِذا أَشار إِليها لم يتعيَّن إِلا في حكم جواز العقد لمعرفة القَدْر والنقد، وإِذا نقد منها استفاد به سلامة المُشْتَرَى. وإِذا أَشار فيما لا يتعين ولم ينقد استفاد بالإِشارة جواز العقد لمعرفة القَدْر والنقد. وإِذا نقد ولم يُشِر استفاد سلامة المشترى، فأَما أَنْ تصيرَ عينها عوضاً فلا، فثبت أَنه لا يثبت إِلاَّ الشبهة، وقد استوت الوجوه في الشبهة فاستوت في الخُبْث.

(وإِن غَصَبَ وغَيَّرَ) المغصوب (فَزَالَ اسْمُهُ) أَي اسم المغصوب (وأَعْظَمُ مَنَافعِه ضَمِنَهُ) الغاصب (ومَلَكَهُ بِلَا حِلَ) للانتفاع به (قَبْل أَداء بَدَلِهِ، كَذَبْح شاةٍ وطَبْخِهَا) أَي كَمَنْ غَصَب شاةً فذبحها وطبخها، أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ زَرَعَهَا (أَوْ جَعْلِ صُفْرٍ) أَي وكَجَعْلِ نُحْاسٍ (إِنَاءً) وحديدٍ سَيْفاً. وقال مالك والشافعيّ: لا ينقطع حَقُّ المالك، وبه قال أَحمد وأَبو يوسف رحمهما الله تعالى في رواية.

وفي «غاية البيان»: أَسْتَقْبِحُ أَنْ يجيءَ رَجُلٌ (مُعْدم) (١) إِلى كُرِّ (٢) حِنطة لإِنْسان فيطحنه، ثُم يَهَبهُ لابن له صغيرٍ ولا يكون لِرَبِّ الطعام على الدقيق سبيل. قال: وأُخَالِفُ أَبا حنيفة رحمه الله تعالى في هذا، وأَجْعَله بالخِيار إِنْ شاء ضَمَّنه مِثْلَ حنطته ودفع إِليه الدقيق، وإِن شاء أَخذ ذلك الدقيق ولم يُضَمِّنْهُ شيئاً. وكذلك إِنْ وهبه الغاصبُ، أَوْ باعه، أَوْ تَصَدَّق به، فإِنَّ ذلك باطِلٌ، ولرب الطعام أنْ يأخذَهُ بعينه، وكذلك لو غَصَب لَحْمَاً فشواه أَوْ طبخه.

قَيَّد «بتغيير الغاصب للمغصوب» لأَنه لو تَغَيَّر بنفسه كأَنْ صَار العِنَبُ زَبيباً، فإِنَّ المالك بالخِيار إِنْ شَاءَ أَخذه وإِنْ شاء ضَمَّن الغاصب. وقَيَّد «بزوال الاسم» لأَنْ مَنْ غَصَب شاةً وذبحها لم يَزُل اسم الشاة عنها ـ إِذْ يُقال: شاةٌ مذبوحةٌ ـ فمالِكُهَا بالخِيار: إِنْ شاء ضَمَّن الغاصبَ قيمتها وسَلَّمَهَا له، وإِن شاء ضَمَّنه نقصانها، لأَن ذبحها استهلاك من وَجْهٍ دون وَجْه، فيتخير المالك. وقَيَّد «بـ: أَعْظَم المنافع» لأَنه لو لم يكن الزائل أَعظمها، كَخَرْقِ الثَّوْب فَاحِشَاً أَوْ يَسِيْرَاً، فإِنَّ ضمان


(١) في المطبوعة: مقدم، وما أَثبتناه من المخطوطة.
(٢) الكُرُّ: مكيال لأَهل العراق قَدْرُه ستون قفيرًا، وهو ما يساوي ٢٣٤٨.٢٨٠ كيلو غرامًا عند الحنفية. معجم لغة الفقهاء ص ٣٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>