للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِخِلَاف السَّكَرِ والمُنَصَّفِ والمِعْزَفِ، فَتَجِبُ قِيْمَتُهُ لا لِلَّهْوِ.

===

ذلك واجباً لما حلَّ السكوت في بيانه، وبيان العُقْر منهما لا يكون بياناً لقيمة الخدمة، لأَن المستوفى بالوطاء في حكم جزء من العين ولهذا يتقوم عند الشبهة بخلاف المنفعة.

والمعنى فيه: أَنْ المنفعة ليست بمالٍ متقوم فلا يُضمن بالإتلاف، كالخمر والميتة. وإِذا كان المغصوب وَقْفَاً، أَوْ مالَ يتيمٍ، أَوْ مُعَدًّا للاستغلال، يضمن في اختيار المتأَخرين؛ قالوه صوناً لحقوق الضعفاء والمساكين عن أَطماع الجائرين، ولا بدع في اختلاف الأحكام باختلاف أَحوال الأَنام.

(بِخِلَاف السَّكَرِ) ـ بفتحتين ـ وهو النِّيء: هو ماء الرُّطَب إِذا اشتد، (و) بخلاف (المُنَصَّفِ) وهو ما إِذا ذهب نصفه بالطبخ من ماء العنب، (و) بخلاف (المِعْزَفِ) ـ بكسر الميم وفتح الزاي ـ وهو آلة اللهو، كالطُّنْبُور (١) والمِزْمَار، فإِنها تضمن بالإتلاف عند أَبي حنيفة، ويجوز بيعها. وقالا: لا تضمن، ولا يجوز بيعها، وهو قول مالك وأَحمد. وعند الشافعيّ فيه تفصيل. ثُم قيل: الخلاف في الدُّفِّ والطبل اللَّذَيْن يضربان للهو. وأَما طبل الغزاة والدُّفُّ الذي يباح ضَرْبُهُ للعُرْس فإِنهما يُضمنان بالإِتلاف بلا خلاف.

لهما أَنَّ هذه الأَشياء مُعَدَّةٌ للمعصية فبطل تقومها كالخمر، وأَنَّ إِتلافها أَمَر الشارع به، لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرَاً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» (٢) ، وإِنكارها باليد إِتلافها، وهو لو أَتلفها بأَمر أُولي الأمر لا يضمن فبأَمر الشارع أَوْلى. ولأَبي حنيفة رحمه الله تعالى أَنه أَتلف مالاً ينتفع به من وجه سوى اللهو، ولا تبطُل قيمته لأَجل اللهو، كالأَمة المُغَنِّية.

(فَتَجِبُ قِيْمَتُهُ) أَي قيمة كُلِّ واحدٍ من السَّكَر، والمُنَصَّف، والمِعْزَف (لا لِلَّهْوِ) كما في الجارية المغنية، والكبش النطوح، والحمامة الطَّيّارة، والديك المقاتل، فإِنه تجب قيمتها غير صالحة لهذه الأُمور. وفي «الجامع الصغير» لِصَدْر الإِسلام: الفتوى في عدم الضمان على قولهما، لكثرة الفساد بين الناس، حتى ذكر


(١) الطُّنبُور: آلة من آلات اللَّهو والطَّرَب ذات أَوتار. معجم لغة الفقهاء ص ٢٩٣.
(٢) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ١/ ٦٩، كتاب الإيمان (١)، باب بيان كون النهي عن المنكر … (٢٠)، رقم (٧٨ - ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>