للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَنْعَقِدُ بإِيْجَابٍ وقَبُولٍ، ويَلْزَمُ إِنْ سُلِّمَ مَحُوزًا،

===

النَّفقةُ». وإِجماع الأُمة فإِنهم مِنْ لَدُن زمنه صلى الله عليه وسلم إِلى الآن يرهَنُون ويرتهنون من غير مُنْكِر، ولا مُخَالِف.

ثُم الرَّهْن جائزٌ في السفر والحَضَر. وحكى صاحب «الكشاف» عن مجاهد والضحاك أَنهما لم يُجَوِّزَاه إِلاَّ في السفر، أَخْذاً بظاهر الآية. ولنا ما أَخْرَجَهُ البخاري في البيوع عن قَتَادَةَ عن أَنس أَنه قال: ولقد رَهَن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دِرعاً له بالمدينة عند يهوديّ، وأَخذ منه شعيراً لأَهله. ولأَن كل عَقْدٍ جازَ في السفر جاز في الحضر، أَصله البيع، وإِنما خُصَّ السَّفَر في الآية بالذِّكْر، لأَن الغالب أَنْ الإِنْسان لا يتمكن فيه من الكتابة والإِشهاد فيستوثق بالرهن، بخلاف الحضر.

(وَيَنْعَقِدُ) أَي الرَّهْن (بإِيْجَابٍ وقَبُولٍ) لأَنه عَقْدٌ فلا بد فيه منهما كغيره من العقود، وعليه عامة المشايخ. وقيل: الركن مُجَرَّدُ الإِيجاب، والقَبُول شَرْطٌ. وأَما القبض ـ فقال بعض أَصحابنا ـ شَرْط الجواز. والجمهور على أَنه شَرْط اللُّزوم، ولذا قال: (ويَلْزَمُ) أَي ويتم عَقْد الرَّهن بالقبض، وهو معنى قوله: (إِنْ سُلِّمَ) المرهون إِلى المُرْتَهِن (١) ، فالضمير (٢) في «يلزم» عائِدٌ إِلى الرَّهن بمعنى العقد المخصوص (٣) ، وفي «سُلِّم» عائدٌ إِليه بمعنى المرهون، هذا إِنْ كان (٤) بصيغة المجهول، وإِن كان بصيغة الفاعل فالضمير فيه للراهن.

وقال مالك: يلزم الرَّهن بنفس العقد، كالبيع. ولنا أَنه تعالى وصف الرَّهن بأَنها مقبوضةٌ، والنكرة إِذا وُصِفت عَمَّت. فتقتضي الآية أَنَّ كل رهنٍ مشروع هو بهذه الصفة، ولأَن المصدر إِذا ذُكِر بحرف الفاء في موضع الجزاء يُراد به الأَمر، كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (٥) فكان هذا الأمْر بهذه الصفة، فينتفي جوازُه بدونها. (مَحُوزَاً) أَي مقسوماً، واحترز به عن رَهْن مُشَاعٍ (٦) ، فإِنه لا يجوز عندنا، خلافاً لمالك والشافعي، وسيأتي.


(١) وهو الذي يَأْخذُ الرَّهْن.
(٢) أي الضمير المقدّر.
(٣) فيكون معنى العبارة: ويلزم عقد الرَّهْن إِن سلَّم الراهنُ الرَّهْنَ إِلى المُرْتَهِن.
(٤) أَي الفعل "سلّم".
(٥) سورة محمد، الآية: (٤).
(٦) المُشَاع: حِصَّةٌ مقدَّرة غير مُعَيَّنة ولا مُفْرَزَة. معجم لغة الفقهاء ص ٤٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>