وأَبي ثَوْر لا يُطَالَب الضامن إِلاَّ إِذا تَعَذَّرَ مطالَبَةُ المضمون. وقال ابن أَبي لَيْلَى، وابن شُبْرُمَة، وداود، وأَبو ثور: ينتقل الحَقُّ إِلى ذِمَّةِ الكفيل فلا يُطَالَبُ الأَصيل أَصلاً، كما في الحَوَالة.
وشَرْعِيَّةُ الكَفَالة ثابتةٌ بالكتاب، قال الله تعالى ـ حكايةً عَمَّن قبلنا لا في مَعْرِض الإِنْكار ـ:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ جِمْلُ بَعِيْرٍ وأَنا بِهِ زَعِيْمٌ}(١)
أَي كفيل، وهي لُغَةُ أَهل المدينة. وبالسنة: وهي ما روى أَبو داود والترمذي من حديث ابن عباس: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العاريَّةُ مؤادة، والمنحة مردودةٌ، والدَّيْن مقضيٌّ، والزعيم غارم». وبالإِجماع فإِنَّ الإِمة اتفقت على جواز الضمان، وإِنما اختلفوا في فُرُوع فيه.
(وهِي: إِمَّا) كَفالة (بالنَّفْسِ) وإِن تعددت الكفلاء بها، وهي جائزة لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم:«الزعيم غارم»، فإِنه يفيد مشروعية الكَفالة بنوعيها.
(وَتَنْعَقِدُ) الكفالة بالنفس (بـ: كَفَلْتُ) أَوْ تكفَّلت (بنفسه،) أَوْ بدنه أَوْ جسده (وبِمَا صَحَّ إِضافةُ الطَّلَاقِ) والعَتاق (إِليه) وهو ما عبر به عن البدن حقيقةً لغويةً، كالنفس، والجسد، أَوْ عُرْفِيةً، كالروح والرأَس والوجه والرقبة على ما مَر في الطلاق. وتنعقد بجزءٍ شائعٍ، كنصفه، أَوْ ثُلُثه، وجزئه، وجزء منه، لأَن النفس الواحدة في حق الكفالة بها لا تتجزأْ، إِذْ المستحق بكفالتها إِحضارها، وإِحضار جزئها الشائع دون كُلِّهَا لا يمكن، فصار ذكره كَذِكْر كلها، بخلاف اليد والرِّجْل، لأَنه لا يعبر بهما عن البدن، ولهذا لا يقع الطلاق والعَتاق بهما.
وقال الشافعي: تَنْعَقِدُ الكفالة أَيضاً بجزءٍ لا يمكن فَصْلُه، كالقلب والكَبدِ، وبه قال أَحمد في روايةٍ. وقال مالك: بِكُلِّ عُضْوٍ من البدن، فلو قال: كفلت بعينه، كانت كَفالةً بالنَّفْس عنده، وهو وَجْهٌ في مَذْهب الشافعي وأَحمد.
(وَكَذَا) تنعقد كَفَالَةُ النفس (بـ: ضَمِنْتُه)، لأَنه موجَب عقد الكَفالة، إِذْ بها يصير الكفيل ضَامِنَاً للتسليم، والعقد ينعقد بموجبه، كالبيع ينعقد بلفظِ التمليك (أَوْ: هُوَ عَلَيّ)، لأَن كلمة «علي» للالتزام، فكأَنه قال: أَنا مُلْتَزِمٌ تَسْلِيمَه (أَوْ:) هو (إِليَّ،)