للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ: أَنا بِهِ زَعِيمٌ، أَو: قَبِيل.

ولا جَبْرَ عَلَيهَا في حَدٍّ، وقِصَاصٍ

===

لأَن «إِليَّ» ههنا بمعنى عليَّ، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَك مالاً فَلِوَرَثَتِهِ، ومَنْ تَرَكَ كَلا (١) فإِلينا». رواه الشيخان في الفرائض من حديث أَبي هريرة. ولا يبعد أَنْ يكون تقدير الحديث: فإِلينا مَرْجِعُه (أَوْ: أَنا بِهِ زَعِيم) لما تقدم (أَوْ: قَبِيل) لأَنُه بِمَعْنَى الكَفِيل، وسُمِّي الصَكُّ قَبَالَةً (٢) لأَنه يحفظ الحَقَّ كالكفيل. ولا تنعقد الكفالة بـ: أَنا ضامنٌ لمعرفته، لأَن موجَب الكفالة التزامُ التسليم وهو ضمن المعرفة لا التسليم، فصار كالتزامه دلالته عليه.

(ولا جَبْرَ عَلَيهَا) أَي لا إِلْزَام للحاكم على الكَفالة بالنَّفْس (في حَدَ، و) لا في (قِصَاصٍ) بأَن يكون المَكْفُول به نفس مَنْ عليه حَدٌّ أَوْ قِصَاص، وهذا عند أَبي حنيفة، وأَحمد، والشافعيّ في قول. وقال أَبو يوسف ومحمد: يُجْبر عليها في حَدِّ القَذْف، وفي حَدِّ القِصَاص، وهو قول مالك والشافعي في المشهور. لأَن الكفالة بالنفس مشروعةٌ، وتسليم النفس واجِبٌ على الأَصِيْل في دَعْوى الحَدِّ والقِصَاص، فصحت الكفالة بها فيهما، كما في دعوى المال، بخلاف الحدود الخالصة لله تعالى، لأن الكفالة شُرعت وثيقةً لنا، كيلا يفوت حَقُّنَا والله تعالى غَنِيٌّ عن ذلك، وبخلاف نفس الحَدِّ أَوْ القِصَاص، لأَنه لا يمكن استيفاؤه من الكفيل.

ولأَبي حنيفة أَنْ الكفالة للاستيثاق، ومَبْنَى الحَدِّ والقِصَاص على الدَّرْء، فلا يجبر المطلوب على الكفيل فيهما بخلاف سائر الحقوق، فإِنها لا تسقط بالشُّبُهَات فيليق الاستيثاق بها. قيَّد «بالجَبْر» لأَن المطلوب بِحَدَ أَوْ قِصَاص لو سمح بالكفيل للطالب من غير جبرٍ عليه صَحَّ. وقيد «بالحَدِّ والقصاص» لأَن التعزير (٣) يصح فيه الجبر على إِعطاء الكفيل بالنفس، لأَنه مَحْضُ حَقِّ العبد، ولهذا يثبت بالشُّبْهة، وبالشهادة على الشهادة، ويُحلف فيه كالأَموال.

وعن المَرْغِينَاني: ليس الجَبْر هنا الحبس، ولكن أَمْرُهُ بالملازمة، وليست الملازمة المنعَ من الذهاب، ولكن أَنْ يذهب الطالب مع المطلوب فيدور معه أَيْنَما دار كيلا يتغيب، فإِذا انتهى إِلى باب الدار وأَراد الدخول يستأْذنه الطالب في الدخول، فإِن أَذِنَ له يدخل معه ويسكن معه حيث يسكن. وإِنْ لم يأْذن له يحبسه الطالب في


(١) الكلُّ: العيال، النهاية ٤/ ١٩٨.
(٢) القَبَالَة: وثيقةٌ يلتزم بها الإِنسانُ أَدَاء عَمَل، أَو دَيْن، أَو غير ذلك. المعجم الوسيط ص ٧١٢، مادة (قَبَل).
(٣) التعزير: ما يقدره القاضي من العقوبة على جريمةٍ لم يَرِد في الشَّرْع عقوبةٌ مقدرةٌ لها. معجم لغة الفقهاء ص ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>