الزكاة، ويطالب به أَشد المطالبة، فكان كسائر الديون، بخلاف الزكاة حيث لا يصح ضمانُهَا وإِنْ كانت دَيناً مطالباً به، لأَن الواجب فيها فِعْلٌ هو عبادةٌ، والمال محلٌ لإقامتها، ولهذا لا تُسْتَوْفَى مِنْ تركة مَنْ هي عليه بلا وصيةٍ، كما تُسْتَوْفى سائر الديون.
(و) صح كفالة (النَوَائِبِ) جَمْعُ نائبة، وهي ما ينوب الإِنسان ويُطالب به: إِما بحقَ: كأُجْرَةِ الحارس المشتَرَك، وكَرْي (١) النهر المشترك، وما وظفه الإمام عند الحاجة إِلى تجهيزِ جيشٍ لقتال المشركين، أَوْ إِلى فِدَاءِ أُسارى المسلمين في وقت خلوِّ بيت المال، وهذا النوع تصح الكفالة به بالاتفاق، لأَنه مالٌ مضمونٌ.
وإِما بغير حق: كالجِبَايَات التي تؤخذ على غير ما ذكرنا، وهذه لا تصح الكفالة بها عند صدر الإِسلام البَزْدَوِي، وفي مذهب مالك والشافعي وأَحمد، لأَنَّ الكفالة التزامُ المطالبة بما على الأَصيل شرعاً، ولا شيء من هذه على الأَصيل كذلك. وتصح عند فخر الإسلام عليّ البَزْدَويّ، وشمس الأَئمة وقاضيخان، لأَنها في حق المطالبة فوق سائر الديون، والعبرة في باب الكفالة للمطالبة، لأَنها شرعت لالتزامها، ولهذا قالوا: مَنْ قام بتوزيع هذه النوائب على المسلمين بالقِسْط يُؤجر وإِن كان الأَخْذُ ظُلْمَاً. وقالوا: إِنْ مَنْ قضى نائبة غيره بأَمره رجع عليه وإِن لم يشترط الرجوع، كَمَنْ قضى دين غيره بأَمره. وقال المصنف: والفتوى على الصحة كما في الديون الصحيحة. وقال الطرابلسي: المذهب عدم صحتها.
(و) صَحَّ كفالة (القِسْمَةِ) وهي حصة الواحد من النوائب (وإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ حَقَ) قَيْدٌ للمسأَلتين، وإِنما صح ضمانها لأَن كل واحدٍ مطالب بنفسه محبوس به. وقيل: المراد بها النائبة الموظفة في كلِّ شهر، أَوْ نحوه، وبالنوائب ما ينوب من غير توظيف بل يلحق أَحياناً، ويحتمل أَنْ يقع ويحتمل أَنْ لا يقع.
(ومَالٌ) مبتدأ (لَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ حَتَّى يُعْتَقَ) صفته، والخبر (حَالٌّ عَلَى مَنْ كَفَلَ بِهِ مُطْلَقَاً) أَي من غير تسميةِ حلول ولا تأجيل. أَما لو كَفَلَ بذلك المال مؤجلاً تَأَجَّلَ في حَقِّه، لأَنه التزم المطالبة به مؤجلاً فيلزمه كذلك. وقَيَّد «بعدم الوجوب على العبد حتى يعتِق» لأَنه محل الاشتباه، بخلاف المال الذي يجب على العبد في
(١) كَرَى النهر: حفره. مختار الصحاح، ص ٢٣٧ مادة (كرى).