الحال، كدين الاستهلاك عيانا، ودين لزم بالتجارة بإِذن المولى، فإِن كفَالة الكفيل به مطلقاً تصح، ويكون على الكفيل به مطلقاً في الحال بلا شبهة (وبَطَلَ دَعْوَى ضَامِنِ الدَّرَكِ) أَنَّ الدار المبيعة مِلْكُهُ، لأَن كفالته بالدَّرَكِ ـ وهو رَدُّ الثَّمن عند استحقاق المبيع ـ تَسْلِيْمٌ للمبيع وتصديق بأَنه ملك البائع، فدعواه بعد ذلك أَنْ المبيع مِلْكُهُ سَعْيٌ في نَقْض ما تَمَّ من جهته فلا تسمع، ولهذا لو كان شَفِيْعَاً تبطل بضمان الدَّرَك في البيع شُفْعَتُهُ.
(و) بطل دعوى (شَاهِدٍ) على البيع أَنْ المبيع مِلْكه، وقد كان ذلك الشاهد (كَتَبَ: شَهِدَ بذلك على صَكَ كتب فيه: بَاعَ مِلْكَهُ) أَوْ كُتِب فيه: باعه وهو يَمْلِكُه، أَوْ باعه بَيعَاً باتّاً نَافِدَاً، لأَن في شهادته بذلك اعترافاً بأَنَّ الملك للبائع، ودعواه المبيعَ بعد ذلك نَقْضٌ له (بِخِلَافِ) دعوى (شَاهِدٍ) أَنْ المبيع ملكه، وقد كان (كَتَبَ) على صك كُتِبَ فيه: باع فلانٌ ملكه (شَهِدَ عَلَى إِقْرَارِ العَاقدَيْنِ) فإِنَّ دعواه: أَنَّ المبيع مِلْكه لا تَبْطُل، لأَن هذه الشهادة ليس فيها اعترافٌ من الشاهد بالملك للبائع، إِذْ البيع قد يوجد من غير المالك.
ولو أَمر المكفول عنه كفيله أَنْ يعيَّن عليه ثوباً ففعل، يكون الثوب للكفيل والربح عليه. وتفسير المسأَلة: أَنْ المكفول عنه أَمر الكفيل ببيع العِينَة، وهو مكروهٌ لما فيه الإِعراض عن مبرة الإِقراض، وقد قيل: إِيَّاك والعينةَ فإِنها لعينةٌ. وهو مخترِعُ أَكلة الربا، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«إِذا تبايعتم بالعِينة، واتَّبعتم أَذناب البقر ذللتم، وظهر عليكم عدوكم»(١) . والمراد باتباع أَذناب البقر: الاشتغال بالزراعة والإِقبال عليها. وبالعِينَة: أَنْ يأَتي المحتاج إِلى رَجُلٍ يستقرض منه عشرة دراهم مثلاً، فلا يرغب الرجل في الإِقراض طمعاً في إِصابة الفضل الذي لا ينالُهُ بالقَرْض، فيقول له: أَبِيْعُك هذا الثوب وقيمته عشرةٌ باثني عشر إِلى أَجَلٍ لتبيعه في السوق بعشرة، فيحصل ربحٌ لي درهمين. سُمِّي عينةً لأَن المُقْرِض أَعرض عن القرض إِلى بيع العين.
فإِذا ثبت هذا فنقول الشراء يقع للكفيل، لأَنه لم يصر وكيلاً عنه بالشراء، لأَنه لم يقل: تعين لي ثوباً وإِنَّما قال: تعين عليَّ، وهي كلمة ضمان لا كلمة توكيل. ومعنى
(١) أخرجه أبو داود في سننه ٣/ ٧٤٠ - ٧٤١، كتاب البيوع والإِجارات (٢٢)، باب في النهي عن العينة (٥٤)، رقم (٣٤٦٢).