للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقالا: وبِأنْ فَلَّسَهُ القَاضِي.

وتَصِحُّ بِلا شيءٍ عَلَى المُحْتَالِ عَلَيهِ، وبِدَراهِمِ الوَدِيْعَةِ - وَيْبَرأُ بِهَلاكِهَا - والمَغْضُوبَةِ، وَلَمْ يَبْرَأَ بِهَلاكِهَا

===

(وقالا:) أَي أَبو يوسف ومحمد: يتحقق التَّوَى بِموتِ المحتال عليه، وبِحَلِفِهِ، المذكورين كما قال أَبو حنيفة رحمه الله (وبِأنْ فَلَّسَهُ القَاضِي) أَي حكم بإِفلاسه قبل موتِه بَعْدَ ماحبسه، لأَنه عجز عن الأَخذ منه بتفليس الحاكم، وقطعه عن ملازمته عندهما، فصار كعجزه عن الاستيفاء بالجحود، أَوْ موته مُفْلِساً. ولأَبي حنيفة أَنْ الدين ثابتٌ في نفسه، وتَعَذُّر الاستيفاء لا يوجِب الرجوع، أَلا ترى أَنه لو تعذَّرَ بِغَيْبة المحتال عليه لا يرجع على المحيل ولأَن المال غادٍ ورائحٌ، فقد يصبح المرء فقيراً ويُمْسِي غنياً وبالعكس.

وقال الشافعي: لا يرجع المحتال على المحيل وإِن تَوِي دين المحتالِ بِمَوتٍ أَوْ غيره، وهو قول أَحمد، والليث، وأَبي ثور، وابن المُنْذِر. وعنِ أَحمد إِذا كان المحال عليه مُفْلِساً ولم يعلم الطالب ذلك، فله الرجوع إِلاَّ أَنْ يرضى بعد العِلم، وبه قال مالك، لأَن الإفلاس في المُحَال عليه عَيْبٌ فكان له الرُّجوع، كما لو اشترى سلعةً فوجدها مَعِيبةً.

(وتَصِحُّ) الحَوالة (بِلَا شيءٍ) للمُحِيل (عَلَى المُحْتَالِ عَلَيْهِ) وهو إِحدى صورتي الحَوالة المطلقة، والصورة الأُخرى أَنْ يكون للمُحيل على المحتال عليه دَيْنٌ أَوْ له في يده عين، ولا يقيد الحَوالة بشيءٍ منهما (وبِدَراهِمِ الوَدِيْعَةِ) عطف على بلا شيءٍ (وَيْبَرأُ) المحتال عليه (بِهَلَاكِهَا) أَي هلاك دراهم الوديعة، أَوْ استحقاقها، لأَن الحَوالة مقيدة بها، وهو لم يلتزم التسليم إِلاَّ منها، فلا يلزم التسليم من غيرها (والمَغْصُوبَةِ) أَي وبالدراهم التي غصبها المُحال عليه من المُحيل.

(وَلَمْ يَبْرَأ) المحتال عليه (بِهَلَاكِهَا) أَي المغصوبة، بل تَبْقَى الحَوالة متعلقةً بمثلها حقيقةً أَوْ مَعْنىً، لأَن الحَوالة إِذا هلك (المحال) (١) به المغصوب تتعلق بِمْثِله في المِثْلي (٢) ، وبقيمته في القِيْمي (٣) ، لأَن المغصوب إِذا هلك يهلِك إِلى خَلَف، وهو الضمان، فكان قائماً معنىً فلا تَبْطُل الحَوالة بهلاكها، فلا يبرأُ المُحال عليه، بخلاف الوديعة، فإِنها تهلك لا إِلى خَلَف، لأَنها أَمانةٌ، وبالحَوالة لم تخرج عن ذلك، وهلاكُ الأَمانة لا يوجِب الضَّمان. قيد عدم البراءة من المغصوبة «بهلاكها» لأَن


(١) في المطبوع: المحتال، وما أَثبتناه من المخطوط.
(٢) المِثْلي: ما يمكنُ الحصولُ على مِثْله بسهولةٍ ويُسْر. معجم لغة الفقهاء ص ٤٠٤.
(٣) القيمي: ما ليس له مِثْلٌ متداولٌ بين الناس. معجم لغة الفقهاء ص ٣٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>