للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكُلِّ مَا يَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ، وبِالخُصُوْمَةِ في كلِّ حَقٍّ، وبإِيفائِهِ واسْتِيفَائِهِ، إِلَّا في حَدٍّ وَقِصَاصٍ بِغَيبَةِ مُوَكِّلِهِ.

وتَرْجِعُ الحُقُوقُ إِلى الوَكِيلِ

===

(بِكُلِّ مَا يَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ) الباء الأُولى متعلقة «بتوكيل»، والثانية «بيعقد» عطف على الأُولى (وبِالخُصُوْمَةِ في كلِّ حَقَ) حَدّاً كان أَوْ قِصَاصاً، أَوْ غيرهما، لأَن المُوكِّل يملك مباشرةَ ذلك بنفسه، فيملك تفويضه إِلى غيره (وبإِيفائِهِ) أَي بإِعطائه كل حق (واسْتِيْفَائِهِ) أَي أَخْذ كل حق (إِلاَّ في حَدَ) لِقَذْفٍ أَوْ سرقة (وَقِصَاصٍ بِغَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ) عن المجلس. قيد بها لأَن التوكيل باستيفائهما في حضرة المُوكِّل جائزٌ اتفاقاً.

وقال مالك والشافعي وأَحمد: يجوز التوكيل باستيفاء القصاص وحدّ القذف في غَيبة الموكِّل، لأَنه حق العبد، ويجوز استيفاؤه في حضوره، وكذا في غيبته.

ولنا أَنهما يسقطان بالشبهة، وشبهة عَفو الموكِّل الغائب ممكنةٌ، إِذْ العفو مندوبٌ إِليه، قال الله تعالى: {وأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ للتقوى} (١) ، والعبرة بعموم اللفظ، وقال عزَّ وجلَّ: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُو كَفَّارَةٌ لَهُ} (٢) وحال الغائب غير معلومٍ فلعله عفا والوكيل لا يشعر، بخلاف الحاضر فإِنَّ حاله بِعَدم العَفُو معلومٌ، وقد يحتاج إِلى التوكيل لعدم هدايته إِلى الاستيفاء، أَوْ لأَن قلبه لا يحتمل ذلك، بخلاف الاستيفاء في غَيبة الشهود، لأَن رجوعهم نادر، والأَصل فيهم الصدق فلا يكون احتمال رجوعهم في الغَيبة شبهة. ويصح التوكيلُ بإِثبات الحَدِّ والقصاص عند أَبي حنيفة. وقال أَبو يوسف: لا يصح التوكيل بإِثبات حدِّ الزِّنا، وحدِّ شُرْبِ الخمر اتفاقاً.

ويُشْتَرط في التوكيل بالخصومة عند أَبي حنيفة رِضَى الخصم، إِلاَّ أَنْ يكون الموكِّل مريضاً، أَوْ غائباً مُدة السفر، أَوْ امرأَة مُخَدَّرَة (٣) . وقالا: لا يشترط رِضَى الخصم. قيل: الخلاف في الصحة، والصحيح أَنه في اللزوم. وفي «شرح الوافي»: أَنْ المتأَخرين اختاروا الفتوى: أَنَّ القاضي إِذا عَلِم من الخصم التعنت في إِباء الوكيل لا يُمكِّنه من ذلك، ويقبل التوكيل من المُوكِّل. وإِنْ عَلِم من الموكِّل القصد إِلى إِضْرار الخصم بالتوكيل لا يقبل منه التوكيل إِلا برضاء الخصم، وهو اختيار شمس الأَئمة السَّرَخْسِي.

(وتَرْجِعُ الحُقُوقُ إِلى الوَكِيْلِ) في عقد لا يحتاج الوكيل فيه إِلى ذِكْر المُوكِّل،


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٣٧).
(٢) سورة المائدة، الآية: (٤٥).
(٣) المُخَدَّرَة: التي تلزَم بيتها (خدرها) ولا تظهر على الرِّجال. معجم لغة الفقهاء ص ٤١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>