للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَصَحَّتِ عِنْدَهمَا،

===

مُسَمَّى». ولأَن المزارعة استئجارٌ بأَجْرٍ مجهولٍ أَوْ معدومٍ، وكلّ منهما مُفْسِدٌ، ولأَنها استئجارٌ بِبعضِ ما يخرج من العمل، فيكون في معنى قفيزِ (١) الطحَّان: وهو أَنْ يستأْجر رجلاً لِيَطْحَنَ له كُرَّ (٢) حنطةٍ بقفيزٍ من دقيقها.

وأَما ما أَخذه النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهل خَيبرَ فإِنما كان خَراجَ مقاسمةٍ بطريق المَنِّ (٣) والصلح، وذلك جائزٌ بدليلِ أَنه عليه الصلاة والسلام لم يُبَيّن لهم المدة، ولو كانت مزارعةً لَبَيَّنَهَا، لأَن المزارعة لا تجوز عند مَنْ يُجِيزها إِلاَّ بِبَيان المدة.

وقال أَبو بكر الرازي: ومِمَّا يَدُلُّ على أَنَّ ما شُرِطَ عليهم من نصف الثمر والزرع كان على وَجْه الجزية، أَنه لم يَرِدْ في شيءٍ من الأَخبار أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَخذ منهم الجزيةَ إِلى أَنْ مات، ولا أَبو بكر إِلى أَنْ مات، ولا عمرُ إِلى أَنْ أَجلَاهم، ولو لم يكن ذلك جزيةً لأَخذ منهم الجِزيةَ حين نزلت آيةُ الجزية.

والحيلة عنده: أَنْ يستأْجِر ربَّ البَذْرِ (و) (٤) العَامِلَ بأَجْرٍ مَعلومٍ إِلى مدةٍ معلومةٍ، فإِذا مضت المدةُ يعطيه بعضَ الخارج عما وجب له مِنْ الأَجر في ذمته، سواء حصل الخارج أَوْ لا، فيجوز ذلك بِرِضَاهُمَا، كالدَّيْن إِذا أَعطى عنه خلاف جنسه.

(وَصَحَّتِ) المِزارعة (عِنْدَهُمَا) لما أَخرجه الجماعة إِلاَّ النَّسائي عن نافع، عن ابن عمر: أَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَل أَهْلَ خيبرَ بشرطِ ما يَخْرج منها: من ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ. وفي لفظٍ: لما فُتِحَتْ خيبرُ، سأَل اليهودُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهم فيها على أَنْ يعملوا على نِصْف ما يخرج منها: من التَّمْر، والزَّرْعِ. فقال عليه الصلاة والسلام: «نُقِرُّكُمْ فيها على ذلك ما شئنا». وفي لفظٍ لأَبي داود عن ابن عباس: فلما كان حين يُصْرَمُ (٥) النَّخْلُ بعث إِليهم عبد الله بن رَوَاحَة فَحَزَرَ (٦) عليهم النَّخْل ـ وهو الذي يسميه أَهل المدينة الخَرْص (٧) ـ فقال: في ذِه كذا وكذا، قالوا: أَكْثَرْتَ علينا يا ابنَ


(١) القَفِيز: مكيالٌ قديمٌ يختلف باختلاف البلاد، وهو يساوي عند الحنفية ٣٩١٣٨ غرامًا. معجم لغة الفقهاء ص ٣٦٨.
(٢) الكُرُّ: مكيال لأهل العراق قدره ستون قفيزًا، وهى تساوي عند الحنفية ٢٣٤٨.٢٨٠ كيلو غرامًا. معجم لغة الفقهاء ص ٣٧٩.
(٣) المَنّ: أن يترك الأمير الأسير الكافر ولا يأخذ منه شيئًا. التوقيف على مهمات التعاريف ص ٦٨٠.
(٤) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.
(٥) الصِّرام: قَطْع الثَّمَرة واجتناؤها من النَّخْلة. النهاية ٣/ ٢٦.
(٦) في المطبوعة: فخرز، وما أثبتناه من المخطوطة.
(٧) خَرَص النخلةَ إذا حَزَر ما عليها من الرُّطَبِ تَمْرًا ومن العنب زبيبًا، فهو من الخَرْص: الظنّ. النهاية ٢/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>