رَوَاحَة، قال: فأَنا إِليَّ حَزْرُ النَّخْلِ، وأُعطِيكم نِصْفَ الذي قلت، قالوا: هذا الحَقُّ، وبه تقومُ السماءُ والأَرْضُ، قد رضينا أَنْ نأَخذ بالذي قلت. وفيه عن جابر: فَخَرَصَهَا أَربعين أَلْفَ وَسْقٍ (١) ، ولمَّا خَيَّرهم أَخذوا التَّمْرَ وعليهم عشرونَ أَلْفَ وَسْقٍ.
وعن عَمرو بنِ دينارٍ قال: قلتُ لِطَاوُس: لو تَرَكْتَ المُخَابَرةَ فإِنهم يَزْعُمُون أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عنها، قال أَي عَمْرُو ـ يعني يا عمُرو ـ إِني أُعطِيهم وأُعينُهُم وأَنَّ أَعْلَمَهُمْ ـ يعني ابن عباس ـ أخبرني أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ عنها، وإِنَّما قال: لأَن يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ من أَنْ يَأَخُذَ عليه خَرْجَاً مَعْلُومَاً. متفق عليه. وعن عُروَةَ بن الزُّبَيْر قال: قال زَيْدُ بنُ ثابت: يغفر اللَّهُ لِرَافِع بنِ خَدِيج، أَنا واللَّهِ أَعْلَمُ بالحديثِ منه، أَتاه رجلانِ قد اقتتلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنْ كان هذا شأْنَكُم فلا تُكْرُوا المَزارِع». رواه أَبو داود.
وأَما ما فيه من قوله عليه الصلاة والسلام:«مَنْ لم يَذَرِ المُخَابَرَةَ فَلْيُؤذِن بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ ورسوله»، فمحمولٌ على قول رافع: كُنَّا أَكثرَ أَهل المدينة حَقلاً، وكان أَحدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فيقول: هذه القطعةُ لي، وهَذِهِ لك، فرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِه، ولم تُخْرِج ذِه، فنهاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.
وقد قال أَبو جعفر: ما بالمدينةِ أَهْلُ بيتِ هجرةٍ إِلاَّ يَزْرَعُونَ على الثُّلْثِ والرُّبُعِ. زَارَعَ عليٌّ، وسعد ابن مالك، وعبد الله بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والقَاسِم، وعُروة، وآل أَبي بكر، وآل عمر، وابن سيرين. وعامَل عمرُ الناسَ على أَنه: إِنْ جاءَ عمرُ بالبذر مِنْ عِنْدِهِ فله الشَّطْرُ، وإِن جاؤوا بالبَذْرِ فلهم كذا. رواه البخاري.
ولأَنها عقدُ شركةٍ بين المال والعمل، فيجوز كما في المضاربة، والجامعُ الحاجةُ، لأَن صاحب الأَرض قد لا يَقْدِر على العمل، والقادر على العمل قد لا يَجِد الأَرض، فَمَسَّت الحاجةُ إِلى المزارعة لتنتظم مصلحتُهما وتحصل منفعتُهما من الرَّيْع، كما أَنَّ مَنْ له مالٌ قد لا يهتدي إِلى التجارة، ومَنْ يهتدي إِلى التجارة قد لا يكون له مالٌ، فَمَسَّت الحاجةُ إِلى المضاربة.
(وبِهِ) أَي وبقولهما في المزارعة (يُفْتَى) لحاجةِ الناس إِليها، وتعامُلِ الناس بها، والقياس يُتْرَك بالتعامل كما في الاستصناع. وقد أَجازها الخلفاء الراشدون، وعُمْدةٌ من الأَنصار والمهاجرين.
وأَما ما رواه من النَّص عن النهي فمُؤَوَّلٌ، فإِنهم كانوا يشترطون فيها شيئاً معلوماً