للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومَنْ حَجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يُعْمرهَا ثَلاثَ حِجَجٍ دَفَعَهَا الإِمَامُ إِلى غَيرِهِ.

===

والشافعي رحمهما الله لما أَخرجه الترمذي ـ وقال: حديث حسن صحيح ـ عن جابر ابن عبد الله أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَحيا أَرضاً ميتةً فهي له». ولقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَعْمَرَ أَرضاً ليستْ لأَحد فهو أَحقُّ بها». رواه البخاري من حديث عائشة، ولفظ أَبي يَعْلَى عنها: «مَنْ أَحْيَا أَرْضَاً ميتةً فهي له، وليس لِعِرْقِ (١) ظَالِمٍ حَقٌّ». وهكذا رواه أَبو داود والترمذي والنَّسائي من حديث سعيد بن زيد.

وفي رواية الطبراني عن فَضَالَة بنِ عُبَيْد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأَرْضُ أَرْضُ اللَّهِ، والعبادُ عبادُ اللَّهِ، مَنْ أَحْيَا أَرْضَاً مواتاً فهي له». ولأَنه مالٌ مباحٌ سبقت يدُهُ إِليه فيملكه، كما في الحطب والصيد.

ولأَبي حنيفة رحمه الله ما روى الطبراني من حديث معاذ: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليس للمرءِ إِلاَّ ما طابَتْ نَفْسُ إِمَامِهِ به». ولأَن ما يتعلق به حقُّ جماعة المسلمين لا يختص به واحدٌ دون واحدٍ إِلاَّ بإِذن الإِمام، أَصله الرزق من بيت المال. والقياس على الحطب والصيد ليس بتام، لأَن الإِمام. لا يملك أَنْ يأْمر واحداً دون واحد بالحطب والصيد، لكن الحديث فيه ضعيف، وعلى تقدير صحته فإِنه لا دلالة للأَعم على الأَخص.

ولو تركها بعد الإِحياء وزرعها غيره، قيل: الثاني أَحق بها، لأَن الأَول ملك استغلالها دون رقبتها، والأَصح أَنْ الأَول أَحقُّ بها، لأَنه مَلَكَ رقبتها بالإِحياء فلا تخرج عن ملكه بِتَرْكها.

(ومَنْ حَجَرَ أَرْضَاً) أَي وضع حجراً أَوْ شيئاً للإِعلام بأَنه قصد إِحياءها، مأَخوذٌ من الحَجَر بفتح الجيم، لأَن الغالب أَنْ يكون ذلك بالأَحجار، أَوْ بسكون الجيم بمعنى المنع (٢) ، (وَلَمْ يُعْمرهَا ثَلَاثَ حِجَجٍ) ـ بكسر الحاء ـ أَي سنين (دَفَعَهَا الإِمَامُ إِلى غَيْرِهِ) لأَن الدفع للأَول إِنما كان ليُعْمِرَهَا فتحصل المنفعة للمسلمين من العُشْر والخَرَاج، فإِذا لم يُعْمِرها يدفعها الإِمام إِلى غيره ليحصل ذلك، والتقدير بثلاثِ حِجج لما روى مسلمٌ في كتاب الخَرَاج عن الحسن بن عُمارة، عن الزُّهْري، عن سعيد بن المُسَيَّب قال: قال عمر رضي الله عنه: مَنْ أَحيا أَرضاً ميتةً فهي له، وليس للمُحْتَجِرِ (٣) حقٌّ بعد ثلاث سنين.

وروى حُمَيْد بن زَنْجُويَهْ النَّسائي (٤) في كتاب «الأَموال» عن عَمْرو بن شُعَيْب


(١) هو أن يَجِيءَ الرَّجلُ إلى أرض قد أَحياها رجلٌ قبله فيغرس فيها غَرْسًا غَضبًا ليستوجِب به الأَرضَ. النهاية ٣/ ٢١٩.
(٢) في المطبوع: الجمع، وما أَثبتناه من المخطوط.
(٣) المُحْتَجِر: مَن حَدَّد أرضًا ليُحْيِيَهَا. معجم لغة الفقهاء ص ٤٠٩.
(٤) حُرِّفت في المطبوع والمخطوط إلى: والنسائي. والصواب ما أثبتناه من "الكاشف" للذهبي ١/ ٣٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>