للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومَنْ حَفَرَ بئرًا في مَوَات بالإِذْنِ، فَلَهُ حَرِيْمُهَا: لِلْعَطَنِ النَّاضِحِ أَرْبَعُوْنَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ في الأصَحِّ، وللْعَيْنِ خَمْسُ مِئةٍ كَذَلِكَ. ولَهُ مَنْعُ غَيرِهِ، فإنْ حَفَرَ في منتهاه فَلَهُ الحَريمُ ثَلاث جَوَانِبَ.

===

أَنْ النبيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم أَقْطَعَ أُناساً من جُهَيْنَة أَرْضَاً فعطَّلوها، فأَخذها قومٌ آخرون فَأَحْيَوْهَا فخاصم فيها الأَولون إِلى عمر بن الخطاب، فقال: لو كانت قطيعةً مني أَوْ من أَبي بكر لم أَرْدُدْهَا، ولكنها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال: مَنْ كان له أَرضٌ فعطَّلَها ثلاث سنين لا يَعْمُرُها فعمرها غيرُه، فهو أَحقُّ بها.

(ومَنْ حَفَرَ بِئْرَاً في مَوَاتٍ بالإِذْنِ) من الإِمام عند أَبي حنيفة رحمه الله تعالى، وبغير الإِذن أَيضاً عندهما (فَلَهُ حَرِيْمُهَا) أَي ما حولها (لِلْعَطَنِ) وهي التي يُنْزع منها الماءُ باليد. (النَّاضِحِ) وهي التي ينزع الماء منها بالبعير (أَرْبَعُوْنَ ذِرَاعَاً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ في الأَصَحِّ).

واحترز به عن قول بعضهم «أَربعون ذراعاً من الجوانب الأَربعة من كل جانب عشرة». وقال أَبو يوسف ومحمد: إِنْ كان البِئْرُ للعَطَن فَحَريمُهَا (١) أَربعون ذراعاً، وإِن كان للناضح فستونُ ذِرَاعًا لما أَخرجه ابن ماجه في «سُننه» من حديث عبد الله بن مُغَفَّل: أَنْ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «مَنْ حَفَرَ بِئْرَاً فله أَربعونَ ذِرَاعَاً عَطناً (٢) لماشِيتِهِ».

(ولِلْعَيْنِ خَمْسُ مِئةٍ كَذَلِكَ) أَي من كل جانب، على الأَصح، وهو قول الزُّهْري. وقيل: خمس مِئة من الجوانب الأربعة: من كُلِّ جانب مئةٌ وخمسةٌ وعشرون ذراعاً. وفي بعض نسخ القُدُوري: حَرِيْمُ العين ثَلَاثُ مئة ذراع، وعليها اعتمد الأَقْطَع، وهو قول سعيد بن المُسَيَّب.

(ولَهُ مَنْعُ غَيْرِهِ) أَي غير حافر البئر أَوْ العين من الحَفْرِ فيه، أَي فيما ذُكِر من حريم البئر وحريم العين. (فإِنْ حَفَرَ) غيرُهُ (في منتهاه) أَي منتهى حريم الأول بإِذن الإمام عِنْده، أَوْ بلا إِذْن عندهما (فَلَهُ) أَي فللذي حَفَرَ المنتهى (الحَرِيْمُ) من الحَفْر الذي حفر (ثَلاث جَوَانِبَ) دون الجانب الذي يلي ملك الأَول لِسَبْقِ مِلْكِه فيه. ولو ذهب ماء الأَوَّل إِلى الثاني فلا شيء عليه، لأَنه غير مُتَعَدَ في فعله، فصار كَمَنْ بَنَى حَانوتاً بجنب حانوتِ غيره فكسد الأوَّل بسببه.


(١) حَرِيمُ العين أَو البئر: ما يحيط بهما، يملكه مَن يملِكهَما، معجم لغة الفقهاء ص ١٧٩.
(٢) العَطَنُ: بُروك الناقلة للاستراحة بعد الشرب. المَعْطَن: مبرك الإِبل ومربض الغنم حول الماء. معجم لغة الفقهاء ص ٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>