للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشَّفَة شُرْبُ بَنِي آدَمَ والبَهَائِمِ. ولكُلٍّ حَقُّهَا وَحَقُّ سَقْي الدَّوَابِّ إِنْ لَمْ يَخَف تَخْرِيبَ النهرِ، فِي كُلِّ مَاءٍ لَم يُحْرَز بإنَاءٍ.

وحَقُّ الشِّربِ، ونَصْبُ الرَّحَى، إِلَّا إِذا أَضَرَّ بالعَامَّةِ، أَو خُصَّ النَّهْرُ بِغَيرِهِ، أَي: دَخَلَ في المَقَاسِم.

===

{لها شِرْبٌ ولَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} (١) . وخَصَّه المصنفُ بالنوع الأَول ولذا قال: (والشَّفَة شُرْبُ بَنِي آدَمَ) بضم الشين (والبَهَائِمِ) يقال هم أَهل الشَّفَة، أَي: الذين لهم حقُّ الشِّرْب بِشفاههم.

(ولِكُلَ) أَي ولكل واحدٍ من بني آدم (حَقُّهَا) أَي حق الشَّفَة (وَحَقُّ سَقْي الدَّوَابِّ) أَي إِذا كانت له دابَّةٌ (إِنْ لَمْ يَخَف تَخْرِيْبَ النَّهْرِ) أَما لو خِيْف تخريبُهُ بالدوابِّ لكثرتها فلم يكن لهم حَقُّ سَقْيِهَا، لأَن أَصل الحقِّ له على الخصوص، وإِنما أَثبتناه لغيره ضرورةً، فلا معنى لإِثباته على وجه يتضررُ صاحبه، إِذْ به تَبْطُل منفعتُهُ.

(فِي كُلِّ مَاءٍ لَمْ يُحْرَز بإِنَاءٍ) سواء في ذلك الأَنْهَار الكبار، والصغار، والآبار. أَما الأَنْهَار العظام كَدِجْلَة، والفُرَات والنِّيل وسَيْحُون وجَيْحُون، فلأَنها ليس لأَحد فيها يَدٌ على الخصوص. وأَما الأَنهار المملوكة، والآبار، والحياض، فلأَنها لا توضع للإِحراز، والمباح لا يُملك إِلا به، فصار الماء فيها كالصيد إِذا سكن في أَرض إِنسانٍ حيث لا يُمْلَك إلاَّ بأخذه.

(و) لكل أَحَدٍ في الأَنهار الكِبَار (حَقُّ الشِّرْبِ) ـ بكسر المعجمة ـ بأَن يحفر منها نهراً إِلى أَرضه (ونَصْبُ الرَّحَى) لأَن الانتفاع بالأَنهار كالانتفاع بالشمس والقمر، لا يُمنع منه على أَي وجهٍ كان، والأَنهار العظام مباحةُ الأَصل، لأَن قهر الماء يمنع قهر غيره. (إِلاَّ إِذا أَضَرَّ بالعَامَّةِ) لأَن دَفْعَ الضرر عنهم واجبٌ، وذلك بأَن يكون مَيْلُ الماء إِلى الأرْض التي تُسقَى، أَوْ إِلى الرَّحَى التي تُنْصَب، وتُكْسَر حافَّةُ النهر، فتغرق الأَراضي والقرى.

(أَوْ خُصَّ النَّهْرُ) بصيغة المجهول، أَي اختص (بِغَيْرِهِ) أَي بغير مَنْ يريد أَنْ ينصب عليه رَحى ويسقي منه أَرضاً (أَي دَخَلَ في المَقَاسِم) حين قسم الإِمام، لأَن الماء متى دخل في المقاسم انقطعت الشركة في الشرب ونحوه عنه مِمَّنْ لم يدخل في قسمته، إِذْ لو بقيت لم يكن مختصاً.

والأصل في هذا الباب ما أَخرجه ابن ماجه في «سُننه» عن ابن عباس، والطبراني في «مُعجمه» عن ابن عمر أَنَّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال:


(١) سورة الشُّعراء، الآية: (١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>