للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكَرْيُ نَهْرٍ لَمْ يُمْلَك مِنْ بَيتِ المَالِ، فإنْ لَم يَكُنْ فِيهِ شَيءٌ، فَعَلَى العَامَّةِ، وكَرْيُ نَهْر مُلِكَ على أَهْلِهِ، مِنْ أَعْلاهُ.

===

«المسلمونَ شُرَكَاءُ في ثلاثٍ: الماءِ والكلأ والنَّارِ». ورواه أَبو داود، (وزاد) (١) ابن ماجه: «وثَمَنُهُ حَرَامٌ»، والمراد بالماء: ما ليس بِمُحْرَز، وبالكلأ: الحشيش الذي يَنبت بنفسه من غير أَنْ يزرعه أَحدٌ أَوْ يسقيَهُ، وإِن كان في أَرض غيره، وبالنار الاستضاءة والاصْطِلاء، أَي الاستدفاء والإِيقاد من لَهَبِهَا في الصحراء لا الجمر لأَنه ملكه. والمراد بالشركة شَرِكَةُ إِباحة لا شركةُ مِلْك.

وما روى أَبو يوسف في «كتاب الخَراج»: حدثنا المُعَلَّى بنُ كثير، عن مَكْحُوْل أَنْ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «لا تَمْنَعُوا كلأً، ولا ماءً ولا ناراً، فإِنَّه متاعٌ للمُقْوِين، وقُوتٌ للمُسْتَضْعَفِيْن». والمُقْوِين: المسافرين، كذا قاله ابن عباس ومجاهد والضَّحَّاك في قوله تعالى: {وَمَتَاعَاً للمُقْوِين} (٢) .

(وكَرْيُ نَهْرٍ لَمْ يُمْلَك) أَي حَفْره (مِنْ بَيْتِ المَالِ) لأَن ذلك لمصلحةِ عامةِ المسلمين، وبيت المال الخَرَاجي مَعَدٌّ لمصالحهم (فإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيْهِ) أَي في بيت المال (شَيءٌ) يكفيه، ومن جملة بيت المال ما في أَيدي الملوك، والوزراء، والأُمراء من آلات الذهب والفضة. وفي حَلَق نسائهم من الجواهر ونحوها (فَعَلَى العَامَّةِ) كَرْيُه. يُجْبِرُهم الإِمام على ذلك، لأَن في تركه ضرراً، وقَلَّمَا يُنْفق العامة على المصالح باختيارهم، إِلا أَنَّ الإِمام يُخْرِج له مَنْ يُطِيقه (٣) ، ويجعل مُؤنته على المياسير الذين لا يطيقونه بأَنفسهم (٤) ، كما في تجهيز الجيوش (٥) .

(وكَرْيُ نهر مُلِكَ على أَهْلِهِ) لأَن منفعته لهم على الخصوص، فتكون مُؤنته عليهم، لأَن الغُرْم بالغُنْم، ومَنْ أبى أُجْبر. وقيل: لا يجبر إِلاَّ إِذا كان مُشْتَركَاً وأَبى أَحَدُ شركائه، وإِلاَّ فلا معنى للإِجبار مع تَرْك حَقِّهم بالاختيار، (مِنْ أَعْلَاهُ) خبرٌ ثانٍ لكَرْي نهر مُلِكَ لبيان كيفية كَرْيه، أَي من أَوله لأسفله.


(١) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.
(٢) سورة الواقعة الآية: (٧٣).
(٣) أَي من الرِّجال الأشِدّاء الذين يستطعون حفره.
(٤) أَي الذين لا يقوَوْن على حفره بأَنفسهم.
(٥) فإِن الإمام يُخرج من كان يُطيق القتال، ويجعل تجهيزهم على الأَغنياء غير القادرين على القتال.
العناية على الهداية ٩/ ١٥ في هامش فتح القدير بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>