للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والطُّهْرُ المُتخلِّلُ في مُدَّته، وما رأتْ مِن لونٍ فيها سوى البياضِ: حيضٌ.

===

العَوْد، والحيضُ والطُّهرُ مما يعود في شهرين عادة، فلا يكون الطهرُ أكثرَ من شهرين.

وأمَّا في حقّ ما عدا العِدَّة، فلم يُقدِّرُوا لها الطُّهرَ بشيء، بل قالوا: تَجتَنِبُ ما تَجتنبُ الحائضُ من قراءةِ القرآن ومَسِّه ودخولِ المسجد وإتيانِ الزوج، وتَغتسِلُ لكلّ صلاة فتؤدِّي به الفرضَ والوتر (١) ، وتقرأُ فيهما قَدْرَ ما تجوزُ به الصلاة ولا تزيدُ، وقيل: تقرأُ الفاتحةَ والسورةَ، لأنهما واجبتانِ وهو الأصحُّ الأحوط. وإنْ حجَّتْ تَطوفُ للزيارة، لأنه ركنٌ ثم تُعيده بعدَ عشرةِ أيام، وتطوفُ للصَّدَرِ لأنه واجب، وتصومُ شهرَ رمضان لاحتمالِ أنها طاهرة، ثم تَقضي خمسةً وعشرين يوماً، لاحتمالِ أنها حاضَتْ فيه خمسَةَ عشرَ يوماً، عشرةٌ في أوَّله وخمسةٌ في آخره أو بالعكس، واحتمالِ أنها حاضت في القضاء عشَرَة.

(والطُّهْرُ المُتخلِّلُ) أي بين الدَّمَيْنِ (في مُدَّته) أي مُدَّةِ الحيض (وما رأتْ مِنْ لونٍ فيها) أي المُدَّة (سوى البياضِ حيضٌ).

أمَّا كونُ ما عدا البياضَ الخالصَ حيضاً، فلِمَا في «الموطأ»: عن علقمة بن أبي علقمة، عن أُمِّه مولاةِ عائشة أنها قالت: كانت النساءُ يَبعْثنَ إلى عائشة بالدُّرْجة فيها الكُرْسُف فيه الصُّفْرَةُ من دَمِ الحيض يَسألْنها عن الصلاة؟ فتقول لهن: لا تَعْجلن حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البيضاءَ. تُريدُ بذلك الطُّهرَ من الحيضة. والكُرْسُف: بضم الكاف والسين المهملة: القُطنُ. والدُّرْجة: بضم الدال: حُقَّةٌ (٢) تضعُ المرأةُ فيها طِيبَها ونحوَه. والقَصَّةُ: بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة: شيء كالخيط الأبيض يَخرُجُ مِنْ قُبُل المرأة عَقِيبَ انقطاع الدم، يُعرَف به أنها طَهُرَتْ (٣) .

وأمَّا كونُ الطُّهرِ المُتخلِّل بين الدَّمَيْنِ في مُدَّةِ الحيض حيضاً فهو روايةُ محمدٍ عن أبي حنيفة، ولا يجوز على هذه الرواية بُداءةُ الحيضِ بالطهر ولا الختمُ به. ووَجْهُها أنَّ استيعابَ الدَّمِ مُدةَ الحيض ليس بشرط إجماعاً، فيُعتَبَرُ أوَّلُها وآخِرُها كالنِّصاب في باب الزكاة.


(١) وتُؤدي به أيضًا السنن المؤكدة، ولا تصلي به شيئًا من التطوعات، كما في حاشية الشبلي على "تبيين الحقائق" للزيلعي ١/ ٦٣. أفاده الشيخ عبد الفتاح أبو غُدة رحمه الله تعالى.
(٢) الحُقَّة: وعاء من خشب. القاموس المحيط ص ١١٣٠، مادة (حق).
(٣) هذا أحد معنيين للقَصَّة. والمعنى الثاني هو: أن تَخْرُج القُطْنَة أو الخِرقة التي تَحتشي بها الحائض كأنها قصَّة بيضاء، لا يُخَالطها صُفرة. والقَصَّة: الجِصّ. أي أن تخرج بيضاء كالجص لا شيء عليها كما دخلت بيضاء. انظر "النهاية في غريب الحديث" ٤/ ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>