للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقال أبو يوسف ـ وهو روايةٌ عن أبي حنيفة وقيل: هو آخِرُ أقواله ـ: إن كان الطُّهرُ أقلَّ من خمسةَ عشَرَ يوماً لا يَفصِل لأنه طُهرٌ فاسد، فصار بمنزلة الدَّم، وحكمُه حكمُ دمٍ منفصِل، فيُنظَرُ: إن كان ذلك كلُّه لا يزيد على العشرة فالكلُّ حيض: ما رأتْ فيه الدَّمَ وما لم تَر، سواءٌ كانتْ مُبتَدَأةً أو صاحبةَ عادة.

وإن زاد على العشرة: إن كان لها عادةٌ رَدَّتْ إليها، ويكون الزائد استحاضة. وإن كانت مُبتَدَأةً فالعشرةُ حيضٌ: ما رأت فيه الدمَ وما لم تَر، وما زاد استحاضة. وكثيرٌ من المتأخرين أفتَوا بهذه الرواية لأنها أيسر على المفتي والمستفتي لقلَّةِ التفاصيلِ التي يَشقُّ ضبطُها. ويجوزُ على هذه الرواية البداءةُ بالطُّهرِ والختمُ به، لكن يُشترَطُ إحاطةُ الدم من الجانبين، كما إذا رأت قبلَ عادتِها يوماً دماً وعشرةً طهراً ويوماً دماً، فالعشرةُ حيض.

وروى ابنُ المبارك عن أبي حنيفة: أنه يُشترَط أن يكون الدمُ في العشرة ثلاثةَ أيام، وهو قولُ زفر، لأن الحيض لا يكون أقلَّ من ثلاثة.

وحكَمَ محمدٌ بفصلِ الثلاثةِ من الطُّهر في مدة الحيض إن زادت على الدمين. قال في «المبسوط»: وهو الأصحُّ وعليه الفتوى. فلو رأت يوماً دماً وثلاثةً طهراً ويوماً دماً، لم يكن شيء منها حيضاً، لأن الطهر بلَغَ ثلاثة أيام، وهو غالبٌ على الدَّمينِ فصار فاصلاً، وكذلك إن زاد الطُّهر. وإنْ رأتْ يوماً دماً وثلاثةً طهراً ويومينِ دماً، فالستَّةُ حيضٌ، لأن الدم ساوَى الطُّهر في طَرَفي الستَّة فصار غالباً. ولو رأتْ ثلاثةً دماً وخمساً طُهراً ويوماً دماً، فحيضُها الثلاثةُ الأُولى، لأَنَّ الطهر غالب فصار فاصلاً، والمتقدِّمُ يمكن أن يُجعلَ بانفراده حيضاً، فجعلناه حيضاً.

وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنَّ الطهر المتخلِّل بين الدَّمَيْنِ إذا كان دون ثلاثة أيام لا يصير فاصلاً، وإذا بلغ ثلاثة أيام فَصَلَ على كلِّ حال، ثم يُنظَرُ إن أمكن أن يُجعَلَ أحدُهما بانفرادِه حيضاً جُعِلَ حيضاً، كما بيَّنا مِنْ مذهبِ محمد وإنْ خالفه في حرفٍ واحد، وهو أنه لم يَعتبِر غلبةَ الدم ولا مساواةَ الدم بالطهر، فلو رأتْ مُبتدَأةٌ يوماً دماً ويومين طهراً ويوماً دماً يكون الأربعةُ حيضاً. ولو رأتْ يومينِ دماً وثلاثةً طهراً ويوماً دماً لم يكن شيء منه حيضاً، لأنَّ الطُّهر المتخلِّل بلَغ ثلاثة أيام، وواحدٌ منهُمَا بانفرادِه لا يمكن أن يُجْعَل حيضاً، ولو رأتْ يوماً دماً وثلاثةً طهراً وثلاثةً دماً كانت الثلاثةُ الأخيرةُ حيضاً.

ولا نُميِّزُ نحن ومالكٌ بين دَمَي الحيضِ والاستحاضةِ باللون عند اتصال الدَّمَين.

<<  <  ج: ص:  >  >>