للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَمنَعُ الصلاةَ والصُّومَ، ويُقضَى هو لا هي،

===

وميَّزَ الشافعيُّ به بينهما وقال: إذا عبَرَ الدمُ الأكثرَ وكانت مُبتدَأةً مميِّزةً وهي التي تَرى في بعض الأيام دماً قوياً كالأسْودِ، وفي بعضها دماً ضعيفاً كالأحمر، فيجعلُها حائضاً في وقت القوي، ومستحاضةً في وقت الضعيف، بشرط أن لا يَنقُصَ القويُّ عن أقلِّ الحيض (١) ، ولا يَزِيدَ على أكثرِه ليُمكِنَ جعلُه حيضاً، وأن لا يَنقُصَ الضعيفُ عن أقلِّ الطهر ليُمكِنَ جعلُه طهراً بين الحيضتين. وإن كانت معتادةً مميِّزةً فيأخُذ بمقتضَى التميُّزِ دون العادة على الأصحِّ عنده لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حُبَيش: «إنَّ دَمَ الحيضِ غليظٌ أسوَدُ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان غيرُه فاغتسلي وصلِّي» (٢) .

ولنا قولُه صلى الله عليه وسلم «المستحاضةُ تدَعُ الصلاةَ أيامَ أقرائها» (٣) . وقولُه: «دَعي الصلاة أيامَ أقرائك» (٤) . اعتَبَر الأيامَ دون اللونِ وغيرِه، ومذهبُنا رُوي عن عليّ وابن عباس، ومثلُه عن سالمِ بن عبد الله، والقاسمِ بن محمد، ومكحولٍ، والحسنِ، وإبراهيم، وابنِ سيرين. وما رواه موقوفٌ على عائشة، ومعارَضٌ بقولِ عليّ وابن عباس، وقد روى ابن ماجه عن عائشة قالت: جاءت فاطمةُ بنت أبي حُبَيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأةٌ أُستحاضُ فلا أَطهُر، أفادَعُ الصلاة؟ فقال: «لا، اجتنبي الصلاةَ أيام مَحِيضك، ثم اغتسلي وتوضَّئي لكلِّ صلاةٍ وإن قطَرَ الدَّمُ على الحصير».

(يَمْنَعُ) أي الحيضُ (الصلاةَ والصومَ) بإجماع المسلمين (ويُقضَى هو) أي الصومُ (لا هي) أي الصلاةُ لما في «الكتب الستة»: عن مُعاذَةَ العَدَوِيَّة قالت: سألتُ عائشةَ: ما بالُ الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحَرُورِيَّةٌ أنتِ؟ قلتُ: لستُ بحَرُورِيَّة ولكني أسأل؟ قالت: كان يُصيبنا ذلك فنُؤمَرُ بقضاءِ الصوم، ولا نُؤمرُ بقضاءِ الصلاة». انتهى. وعليه الإِجماعُ. ولأنَّ في قضاء الصلاة حرجاً لكثرتِها وتكرُّرِ الحيض، بخلافِ الصوم، فإنه يجب في السنة شهراً، ولا تحيضُ المرأةُ في الشهر بحسب العادة إلا مرَّةً.

والحَرُورِيَّة: بفتحٍ فضم نسبة إلى حَرُوراءَ، وهي قريةٌ بالكوفة كان اجتماعُ أوَّلِ


(١) وهو عنده يوم وليلة.
(٢) أخرجه أبو داود في سننه ١/ ١٩٧ - ١٩٨، كتاب الطهارة (١)، باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة (١٠٩)، رقم (٢٨٦). بلفظ قريب.
(٣) أخرجه أبو داود بلفظ قريب (الموضع السابق).
(٤) أخرجه الدارقطني في سننه ١/ ٢١٢، كتاب الحيض، رقم (٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>