للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَا حَلَّ نَظَرُهُ حَلَّ مَسُّهُ.

===

فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مِلُومِينَ} (١) ، ولِمَا في «السنن الأربعة» عن بَهْز بن حكيم، عن أبيه، عن جده معاوية بن حَيْدَة قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك». قال: قلت: يا رسول الله، أرأيتَ لو كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يَرَينَّها أحد فلا تَرَيَنَّها». قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: «فالله أحق أن يَسْتَحْيِىَ منه الناسُ». وحسّنه الترمذي. ورواه الحاكم وصحح إسناده.

وفي «معجم (٢) الطَّبَرانيّ» بسنده إلى سعد (٣) بن مسعود الكندي، قال: أتى عثمان بن مَظْعُون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إِني أستحي أن يرى أهلي عورتي. قال: «ولِمَ وقد جعلكم الله لهم وجعلهم الله لكم»؟ قال: أكره ذلك. قال: «فإنهنّ يَرَيْنَهُ مني وأراه منهن». قال: أنت يا رسول الله؟ قال: «أنا». قال: فمن بعدك إذاً يا رسول الله؟ فلما أدبر عثمان قال صلى الله عليه وسلم: «إن ابن مظعون لحَيِيٌّ سِتِّير».

وأمّا حديث عائشة: أنه ما رأى مني ولا رأيته منه (٤) ـ يعني الفرج ـ، كما رواه الترمذي في «الشمائل»، فلعله من خصائصها. وكان ابن عمر يقول: الأولى أن ينظر ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة. وروى ابن عَدِيّ عن ابن عباس مرفوعاً: «أنه يورث العمى». وضُعِّفَ. وأمّا قول صاحب «الهداية»: لأن ذلك ـ يعني النظر إلى العورة ـ يورث النسيان لورود الأثر، فغير معروف.

(وَمَا حَلَّ نَظَرُهُ حَلَّ مَسُّهُ) لتحقق الحاجة إلى ذلك في المخالطة مع قِلةِ الشهوة في المحارم، وهذا في غير نظر المرأة من الأجنبيّ، ونظر الرجل من الأجنبية، حتى لا يجوز للرجل مسّ وَجْه الأجنبية ولا كفيها، ويجوز له مسّ ما ينظر من محارمه، إلاّ إذا خاف عليها أو على نفسه الشهوة، فإنه حينئذٍ لا يمسّها ولا ينظر إليها، ولا يخلو بها. ولا بأس بالمسافرة بها، فإن احتاجت إلى الإركاب والإنزال ولم يمكنها الركوب بنفسها، فلا بأس بأن يمسّ من وراء ثيابها، ويأخذ ظهرها وبطنها دون ما تحتهما إن أَمن الشهوة، وإن خافَها عليها، أو على نفسه، أو ظنّ أو شكّ أجتنب ذلك بجهده.


(١) سورة المعارج، الآيتين: (٢٩، ٣٠).
(٢) في المخطوط: مسند، والمثبت من المطبوع.
(٣) في المخطوط: سعيد، والصواب ما أثبتناه من المطبوع، و "المعجم الكبير" ٩/ ٢٥، رقم (٨٣١٨).
(٤) في المخطوط: ولا رأيت فرجه، والمثبت من المطبوع. ولفظ الترمذي في الشمائل ص ١٩٢، باب ما جاء في حياء رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (٤٩)، رقم (٣٥٢): "قالت عائشة: ما نظرت إلى فرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو قالت: ما رأيْت فرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط".

<<  <  ج: ص:  >  >>