للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَعْلُ الغُلِّ في عُنُقِ عَبْدهِ، بخلاف التَّقييد، وَاحْتِكَارُ قُوتِ البَشَرِ وَالبَهَائِم في بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ،

===

في غير فسقٍ؟ قال: لا، فأمّا الذي يجيء منه الفاحشة (١) كالغناء فإني أكره.

وأمّا اللهو فلما أخرجه الحاكم في «المُسْتَدْرَكُ» ـ وقال: حديث صحيحٌ على شرط مسلم ـ، عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل شيء من لهو الدنيا باطلٌ إلاّ ثلاثة: انتضالك بقوسك، وتأديبك فرسك، وملاعبتك أهلك، فإنّهن من الحقّ». وفيه دلالة على أنّ الشِّطْرَنْج لعب باطل كما يدل عليه صيغة الحصر في لهو الحقّ.

وأباح الشَّافعيّ اللعب بالشِّطْرَنْج إذا لم يكن قمار، ولا إخلال بشيء من الواجبات، إذ فيه تشحيذ الخواطر وتزكية الأفهام. قال سهل بن محمد الصُّعْلُوكِي رئيس أصحاب الشافعي: إذا سَلِمَتْ اليد من الخسران، والصلاة من النسيان، واللسان من الهَذَيَان، فهو أدبٌ بين الخلاّن، ولو أكثر منه رُدَّت شهادته. وفي «المُجْتَبَى»: قول الشافعي رواية عن أبي يوسف.

ولنا: أنه لهو يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة غالباً، فيكون حراماً كالخمر والميسر، ولأن فيه معنى النرد والأربعة عشر (٢) ، ثُم إن قامر به تسقط عدالته، وإن لم يقامر به وكان متأوّلاً ولم يصدّه ذلك عن الصلاة لا تسقط. ولم ير أبو حنيفة بالسلام عليهم بأساً لشغلهم عمّا هم فيه، وكرهاه تحقيراً لهم. ويؤيّدهما ما رُويَ أن علياً رضي الله عنه مرّ بقومٍ يلعبون بالشِّطْرَنْج فلم يسلِّم عليهم فقيل له (في) (٣) ذلك، قال: كيف أسلّم على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم؟ ذكره العَيْنِيّ.

(وَ) كره من سيدٍ (جَعْلُ الغُلِّ في عُنُقِ عَبْدهِ) لأنه عقوبة أهل النار فيكره كالإحراق بها (بخلاف التَّقييد) لأنّه سنة المسلمين في السفهاء، فلا يكره في العبد تحرزاً عن إباقه. (وَ) كره كراهة تحريم (احْتِكَارُ قُوتِ البَشَرِ وَالبَهَائِمِ) كالحِنْطَةِ والشعير والتبن (في بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) لما أخرجه مسلم عن مَعْمَر بن عبد الله العَدَوِي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحتكر إلاَّ خاطاءٌ» أي مذنبٌ.

وأخرج ابن ماجه في «سننه»، وأبو يَعْلَى المَوْصِلِي في «مسنده» عن عمر بن


(١) عبارة المطبوع: فأما الذي محى عنها الوحشة. والمثبت عبارة المخطوط.
(٢) لعبه من ألعاب اليهود. انظر "الكفاية" ٨/ ٤٩٨ مطبوع بحاشية "فتح القدير". وانظر "البحر الرائق" ٨/ ٢٣٦.
(٣) ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>