للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَنْ مَاء عِنَبٍ غَلا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بالزَّبَدِ، وَإنْ قَلَّتْ، كالطِّلاءِ، وَهُوَ: ماءُ عِنَبٍ طُبِخَ فَذَهَبَ أَقَل مِنْ ثُلُثَيْهِ، وغَلِظَا نَجَاسَةً.

===

يُدْغَم (مَنْ مَاء عِنَبٍ غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بالزَّبَدِ، وَإِنْ قَلَّتْ) الخمر وإن كانت قطرة. فإنّ حُرْمَتَها غير معللة بالسُّكْر ولا موقوفة عليه. وبعض المعتزلة أنكر حرمة عينها، وزعم أن السُّكْر حرامٌ إذ به يحصل وقوع العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله. وذلك باطلٌ مخالفٌ للكتاب والسنّة وإجماع الأمة، فكان كفراً منهم. وهذا لأنّ الله تعالى سمّاها رجساً، وهو اسم للحرام النجس عيناً بلا شبهة.

ولم يَشترط أبو يوسف ومحمد القذفَ بالزَّبد، وهو قول مالك والشَّافعيّ وهو الأظهر، لأنّ اللذّة المطربة والقوة المسكرة تحصل بالاشتداد، وهو المؤثِّر في إيقاع العداوة والصدّ عن ذكر الله. والقذف بالزَّبد صفاءٌ لا تأثير له في السُّكْر.

ولأبي حنيفة: أنّ الغليان بداية الشِّدَّة وقذف الزَّبد كمالها، إذ به يتميّز الصافي عن الكدِر. وأحكام الخمر قطعيّةٌ كالحدِّ وإكفارِ المستحلّ وحرمةِ البيع، فيناط بالكمال. وقيل: يؤخذ في حرمة الشرب بمجرد الاشتداد احتياطاً، فينبغي أن يؤخذ في الحد والتكفير بقذف الزَّبد احتياطاً.

(كالطِّلَاءِ) أي كما حَرُمَ الطِّلاء (وَهُوَ) بكسر الأول (مَاءُ عِنَبٍ طُبِخَ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) كذا في «الهداية». وفي «المحيط»: الطلاء: اسم للمُثَلَّث وهو ماء عنب طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وصار مسكراً. وفي «الصحاح» مثل (ما في) (١) «المحيط» لكن من غير ذكر الإسكار. ويدخل في تفسير المُصنِّف (المُنَصَّفُ) (٢) وهو ما طبخ من ماء العنب حتى ذهب نصفه إلا أن يقال: مراد المصنِّف: ما ذهب أقلّ من ثلثيه وأكثر من نصفه فلا يدخل. لكن المراد لا يَدفع الإيراد.

ثم كل ذلك عندنا حرامٌ إذا غلا واشتدّ وقذف بالزَّبد، وإن لم يقذف فهو على الخلاف لأنه رقيق مُلِذٌّ مُطْرِب يدعو قليله إلى كثيره، فيحرم شربه دفعاً للفساد المتعلّق به كالخمر. وأمّا البَاذِق فاسم لذاهبِ ما دون النصف، فأظهر الروايتين عن أبي حنيفة أنّه بمنزلة المُنَصَّف في حكم البيع والحد، وعنه في رواية أخرى أنه أَلحق ذلك بالخمر في أنه لا يجوز بيعه كذا في «المبسوط».

(وغَلِظَا) أي الخمر والطِّلاء (نَجَاسَةً) أي من جهة النجاسة.


(١) ما بين الحاصرتين ساقطٌ من المخطوط.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>