للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحَرُمَ نَقِيعُ التَّمْرِ أي السَّكَرُ، وَنَقِيعُ الزّبيبِ نِيئَيْنِ، إِذا غَلا وَاشْتَدَّ. وَحُرْمَةُ الخَمْر أَقْوَى، فَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا فَقَطْ.

وَحَلّ المُثَلَّثُ العِنَبِيّ مُشْتَدًّا،

===

(وَحَرُمَ نَقِيعُ التَّمْرِ أي السَّكَرُ) بفتحتين (وَنَقِيعُ الزّبِيبِ نِيئَيْنِ) تثنية النِّيء. (إِذا غَلَا) كلّ واحدٍ منهما (وَاشْتَدَّ).

وعند أبي حنيفة: وإذا قذف بالزَّبد. وقال شَريك بن عبد الله: السَّكَر حلالٌ لقوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} (١) ذكره في موضع المِنَّة وهي لا تتحقّق بالمُحَرَّم، فأوجب إباحته.

ولنا: إجماع الصحابة على حرمة ذلك، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الخمر من هاتين الشجرتين» (٢) . والنص محمولٌ على ما قبل التحريم فيكون منسوخاً، وهو مذهب الشَّعبيّ والنَّخَعِيّ. وفي «مصنف ابن أبي شَيْبَة» عن إبراهيم قال: قال عبد الله: السَّكَرُ خَمْرٌ. وفيه عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عمر أنه سُئِلَ عن السَّكَر فقال: الخمر.

وقيل: السَّكَرُ: نبيذٌ، وهو عصير العنب والزبيب والتمر إذا طُبِخَ حتّى ذهب ثلثاه، ثم تُرِكَ حتّى اشتدّ. وهو حلالٌ عند أبي حنيفة إلى حدّ السُّكْر، ويحتج بهذه الآية، ويحمل السَّكَر المذكور في الآية على هذا. وعن الشيخ أبي مَنْصُور المَاتُرِيدِي: معناه: تتخذون من الحلال الخالص ما هو حرامٌ كقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلَالاً} (٣) . وأمّا نقيع الزبيب فحرامٌ عندنا خلافاً للأَوْزاعَي.

(وَحُرْمَةُ الخَمْر أَقْوَى) لأنّها قطعيّة (فَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا فَقَطْ) أي ولا يكفر مستحلّ واحدٍ من الثلاثة الأُخر، لأنّ حرمتها اجتهادية، ويُحَدّ شاربها ولو قطرة، ولا يحدّ شارب واحد من الثلاثة الأخر حتى يَسْكر.

(وَحَلّ المُثَلَّثُ العِنَبِيّ) وهو ما طُبخَ من ماء العنب حتّى ذهب ثلثاه. (مُشْتَدّاً) لأنه لغلظه لا يحصل بشرب قليله الفساد، ولا يدعو قليله إلى كثيره بخلاف الخمر.

قال البخاري: ورأى عمر وأبو عُبَيْدَة ومُعَاذ شرب الطِّلاء على الثلث. وروى النَّسائي شربه عن أبي موسى. وقال أبو داود: وسألت أحمد عن شرب الطِّلاء إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فقال: لا بأس به. قلت: إنهم يقولون: إنه يُسْكِر قال: لو كان يسكر لما أحلّه عمر.


(١) سورة النحل، الآية: (٦٧).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه ٣/ ١٥٧٣، كتاب الأشربة (٣٦)، باب بيان أن جميع ما ينبذ .... (٤)، رقم (١٣ - ١٩٨٥). ونصّ الحديث: "الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة".
(٣) سورة يونس، الآية: (٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>