للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَفَى الجَرْحُ في نَعَمٍ تَوَحَّشَ، أَوْ سَقَطَ في بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ ذَبْحُهُ، لا في صَيدٍ استَأنسَ.

وَلا يَحِلُّ جَنِينٌ مَيِّتٌ وُجِدَ فِي بَطْنِ أُمهِ،

===

ذبحهما لأن الذبح فيهما أيسر، وكره نحرهما لأنه خلاف السنة، لأنه صلى الله عليه وسلم نحر الإبل وذبح البقر والغنم. وقد قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} أي الجَزُور وقال: {إنّ ايَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرةً} (١) وقال الله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (٢) أي مذبوحٍ وهو كَبشٌ سمينٌ.

وكذا كره الذّبْح (٣) من القفا وبه قال الشَّافعيّ. وحكم مالك بحرمة العكس لما سبق. وذبح القفا لمخالفة المشروع، وصار كالجرح في غير محل الذبح، ولنا: ما روينا من قوله عليه الصلاة والسلام: «ما أنهر الدَّم وذكر اسم الله عليه فكلوه» (٤) ولأنّ المقصود تسييل الدّم وهو حاصل.

(وَكَفَى الجَرْحُ في نَعَمٍ تَوَحَّشَ أَوْ سَقَطَ في بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ ذَبْحُهُ) ولا نحره. وقال مالك: لا يحلّ بذكاة الاضطرار في الوجهين، لأنّ ذلك نادرٌ ولا عبرة للنادر في الأحكام قلنا: إذا وقع لا بدّ من اعتباره، كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ لها أوابد (٥) كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هكذا» (٦) قاله في بعيرٍ ندّ فرماه رجلٌ بسهم. (لا في صَيْدٍ اسْتَأْنَسَ (٧) ) لأنّ ذكاة الاضطرار إنّما يُصَار إليها عند العجز عن ذكاة الاختيار والعجز متحقّقٌ في الأول دون الثاني.

(وَلَا يَحِلُّ) أي ويحرم (جَنِينٌ مَيِّتٌ وُجِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) سواء أشعر أو لم يُشْعر، وهذا عند أبي حنيفة وزُفَر، والحسن بن زياد، وهو قول إبراهيم والحكم بن عُيَيْنَة لقوله تعالى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ} (٨) ولقوله عليه الصلاة والسلام لِعَدِيّ بن حاتم: «إذا وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري أن الماء قتل أو سهمك» (٩) فقد حَرُم الأكل


(١) سورة البقرة، الآية: (٦٧).
(٢) سورة الصافات، الآية: (١٠٧).
(٣) في المطبوع: المذبوح، والمثبت من المخطوط.
(٤) سبق تخرجه عند الشارح، ص (٥٦).
(٥) الأَوَابِدُ: جمع آبدةٍ وهي التي قد تأبّدَت أي توحَّشَت ونفرت من الإنس. النهاية (١/ ١٣).
(٦) أخرجه البخاري في صحيحه (فتح الباري) ٩/ ٦٣٨، كتاب الذبائح والصيد (٧٢)، باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش (٢٣)، رقم (٥٥٠٩).
(٧) في المطبوع مستأنس، والمثبت من المخطوط.
(٨) سورة المائدة، الآية: (٣).
(٩) أخرجه مسلم في صحيحه ٣/ ١٥٣١، كتاب الصيد والذبائح (٣٤)، باب الصيد بالكلاب .. (١) رقم (٧ - ١٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>