للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عند وقوع الشك في سبب زهوق الرُّوح، وذلك موجود في الجنين، فإنه لا يدري أنه مات بذبح الأم أو باحتباس نفسه. وقال أبو يوسف ومحمد: إذا تمّ خلقه حلّ وبه قال الشافعيّ، لِمَا أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ عن أبي سعيد الخُدْرِيّ أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ذكاةُ الجنين ذكاةُ أُمِّه» وهذا لفظ الترمذي، ولفظ أبي داود: وقال قلنا يا رسول الله، ننحر الناقة، ونذبح البقرة أو الشاة وفي بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ فقال: «كلوه إن شئتم، فإن ذكاته من ذكاة أمّه». ورواه الدَّارَقُطْنِيّ في «سننه» من حديث ابن مسعود وابن عباس وزاد: «أَشْعَرَ أو لم يُشْعِر» (١) . وأسنده الحاكم في «المُسْتَدْرَك» باللفظ الأول من حديث ابن عمر وأبي أيوب وأبي هُرَيْرَة، وأسنده البزار من حديث أبي أُمَامة وأبي الدَّرْداء.

وأجِيب بأن معنى الحديث: كذكاة أمّه، والتشبيه بهذا الطريق كثيرٌ، ومنه قوله تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّموَاتُ والأَرْضُ} (٢) ويدلّ على هذا أنّه رُوِيَ «ذكاةَ أمه» بالنصب، أي يذكَّى ذكاةً مثل ذكاة أمّه. والتحقيق أنّ هذا التأويل إنّما يصحّ في الرواية بالنصب إذا كان المنزوع حرف الكاف كقوله تعالى: {وهي تَمُرُّ مَرَّ السَّحَاب} (٣) ، ويحتمل بالباء أيضاً، لكن إن جعلناه الكاف لم يحلّ الجنين، وإن جعلناه الباء يحلّ، ومتى اجتمع الموجِب للحلّ والموجِب للحرمة يُغَلَّب المُوجِب للحرمة. وعلَّل إبراهيم النَّخَعِيّ فقال: ذكاةُ نفسٍ لا تكون ذكاة نفسين، وبسط الكلام عليه في «المبسوط».

وزبدة (٤) كلام أبي حنيفة: أنّ الله حرّم الميتة وشرط الذكاة بقوله: {إلاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} (٥) فيحرم الجنين الميت بنصّ الكتاب، وما رُوِيَ لا يعارض الدليل القطعي في فصل الخطاب، وفيه أنه عليه الصلاة السلام مبيّن للكلام. فإن قيل: لو لم يحلّ أكله بذكاة أمّه لَمَا حلّ ذبح أمه، لأنّ في ذبحها إضاعته، وقد نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. أُجِيبَ بأنّ موته ليس بمُتَيَقَّن، بل يرجى إدراكه حياً فيذبح، فلا يَحْرُم ذبح أُمِّه. ويكره ذبح الحامل المُقْرِب: وهي التي قَرُبَتْ ولادتها، لأنّ في ذلك ترك التحرُّم (٦) .


(١) أي: نبت شعره أم لم ينبت.
(٢) سورة آل عمران، الآية: (١٣٣).
(٣) سورة النمل، الآية: (٨٨).
(٤) في المطبوع: وزيد في كلام أبي حنيفة، والمثبت من المخطوط.
(٥) سورة المائدة، الآية: (٣).
(٦) في المطبوع: الجزم!

<<  <  ج: ص:  >  >>