للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

بينهم بما أحبّوا أو كرهوا، جيء به يوم القيامة مغلولةٌ يده إلى عُنُقِه، فإن حكم بما أنزل الله ولم يرتشِ في حكم، ولم يَخُن (١) ، فكَّ الله عنه غُلَّه، وإن حكم بغير ما أنزل الله وارتشى في حكمه وخان فيه، شُدَّت يساره إلى يمينه ثم رُمِيَ في جهنم».

ولهذا اجتنبه أبو حنيفة وصبر على الضرب والسجن حتى مات فيه. وقال: البحر عميق فكيف أَعْبُرُه بالسباحة؟ فقال أبو يوسف: البحر عميق، والسفينة وثيق، والملاّح عالم. فقال أبو حنيفة: كأني بك قاضياً. وقد اجتنبه كثير من السلف. وقُيِّدَ محمد بن الحسن نيفاً وثلاثين يوماً ليتقلّده. وقال مكحول: لو خُيِّرتُ بين ضرب عنقي وبين القضاء لاخترت ضرب عنقي. رواه النَّسائي عنه.

هذا، ويصحّ تقلّده ولو من السلطان الجائر وأهل البغي، لأنّ بعض الصحابة تقلّدوه من معاوية بعد ما أظهر الخلاف مع عليّ وكان الحق مع عليّ في نوبته. وبعض التابعين تقلّدوه من الحجَّاج وكان جائراً، فقد قال الحسن في حقّه: لو جاء كلّ أمة بخُبَثَائها وجئنا به لغلبناهم. ولكن إنما يجوز التقلّد من السلطان الجائر إذا مكّنه من القضاء (٢) بحقّ، وأما إذا لم يمكّنه فلا، لأن المقصود لا يحصل بالتقلّد منه. ويصحّ تولية المرأة عندنا، وأبطلها مالك والشّافعيّ، لأن المرأة ناقصة العقل ليست أهلاً للخصومة مع الرجال في محافل الحكومة. وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لن يفلح قومٌ وَلَّوا أمرهم امرأة». رواه البخاري.

والجواب: أن ما ذكر غاية ما يفيد منع أن تُستقضى وعدم حلّه. والكلام فيما لو وَلّيت ـ وأثم المقلِّد بذلك ـ وحَكَّمَهَا (٣) خصمان، فقضت قضاء موافقاً لدين الله، أكان ينفذ أم لا؟ لم ينهض الدليل على نفيه بعد موافقته ما أنزل الله إلاّ أن يثبت شرعاً سَلبُ أهليتها، وليس في الشرع سوى نقصان عقلها. ومعلوم أنه لم يصل إلى حدّ سلب ولايتها بالكلية، أَلا ترى أنها تصلح شاهدةً وناظرة في الأوقاف ووصيةً على اليتامى، مع أنّ عقل بعض النساء أقوى من عقول كثيرٍ من الرجال.

وفي «أدب القاضي» للصَّدر الشهيد: للسلطان أن يَعْزِل (القاضي) (٤) بِرِيبةٍ وبغير


(١) في المخطوط: لم يَحِقْ، والمثبت من المطبوع.
(٢) في المطبوع: القرباء، والمثبت من المخطوط.
(٣) في المخطوط: أو كلها، والمثبت من المطبوع.
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>