للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن أَقرّ بأَخ وأَبوُهُ مَيتٌ شارَكَهُ في الإرثِ بلا نَسَبٍ، ولو أَقرّ أَحَدُ ابْنَيْ مَيْتٍ، له على آخرَ دَينٌ، بِقَبضِ أَبيه نِصْفَهُ، فلا شيء له، والنصفُ للآخر.

===

(ومن أَقرّ بأَخ وأَبوه مَيْتٌ شاركه في الإرث بلا نسب) أَي ولا يثبت نسبه، لأن إِقراره يُضَمَّن شيئين: حَمْل النسبِ على الغير ولا ولاية له عليه، فلا يثبتُ إِلا بالبيِّنة؛ والاشتراك في المال وله ولاية عليه فيثبُت.

(ولو أَقرّ أَحد ابني ميت له على) شخصٍ (آخَر دين) هذه الجملة صفة ميت (بقبض أَبيه نصفه) أَي نصف الدَّيْن (فلا شيء له) أَي للابن المُقِرّ (والنصف للآخر) وهو الابن المُنْكِر، لأن الإقرار باستيفاء الميتِ الدينَ إِقرارٌ بالدين على الميت، لأن المقبوضَ غيرُ الدين، فيكون مضموناً على القابض ديناً في ذمته فيتقاصّان (١) ، فإِن كذَّبه أَخوه لا يُصدق عليه وينفذ في حقه خاصة، فوجب على الميت النِّصْفُ على زعمه.

والدين مقدمٌ على الميراث وقد استغرق نصيبَه، فلا يأخذ منه شيئاً، وصار كما لو أَقر على الميت بدين آخر وكذبه أَخوه. وصح إِقراره بالدين لأجنبي وإِن استغرق ماله، لما روى محمد في «الأصل» عن ابن عمر أَنه قال: إِذا أَقر الرجل في مرضه بدين لرجل غير وارثٍ، فإِنه جائز وإِن أَحاط ذلك بماله ولا يُعرف له مخالف.

وعلماؤنا والشافعي جعلوا الطَّلْق ـ وهو: وجعُ الوِلَادة ـ كمرض الموت في حق الأحكام، لأن الموتَ يَنْدُر في غير حالة الطَّلْق، ويوجد فيها كثيراً، والحكم مبنيٌ على ما كَثُر لا على ما ندر، لا بعدما تَمَّ لها ستة أَشهر من حين الحمل كما قال مالك، واحتج بأَن ولادتها حينئذٍ متوقَّعةٌ ساعة فساعة، وهي قد تموت بها، فتُوَطِّنُ نفسها على الهلاك، وتبادرُ إِلى ما يتبادر إِليه المرض.

وإِذا خِيْف الموت على المَسْلُول، وهو المريض مرض السِّل، أي: الدَّقِّ (٢) ونحوه من الأمراض التي يطول ويعتاد الإنسان بها، كانت الهبة ونحوها من ثلثِ مالِهِ لكونه مريضاً، والله أَعلم.


(١) التقاص: جَعْل الغريمين ما لأحدهما على الآخر قِبَل ما عليه له. معجم لغة الفقهاء ص ١٤٠.
(٢) في المطبوع: السّل والدق. وفي المخطوطة: السّل أي: الدق. والأولى حذف كلمة "الدق". لأن السل لغة لا يأتى بمعنى الدَّقّ.
والسّل: قُرحة تحدث في الرِّئة أو ذات الجنب. القاموس المحيط ص ١٣١٢ مادة (سلل).

<<  <  ج: ص:  >  >>