للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تُرَدّ اليمينُ على مُدَّعٍ، وإِنْ نَكَلَ خصمُه،

===

يُنكر، إِذْ لا تحليف مع قوله: لا أُنكر، لقوله صلى الله عليه وسلم: «واليمين على من أَنكر» (١) . وقالا: يحلف، كمالك والشافعي، لأنَّ قَوْلَيه لمَّا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا، فصار كالساكِتِ.

وفي «المُجْتبى»: يُشترط أَنْ يكونَ القضاءُ على فور النكول عند بعض المشايخ. وقال الخَصَّاف: لا يشترط، حتى لو استمهلَهُ (٢) بعد العَرْض يوماً أَوْ يومين أَوْ ثلاثاً فلا بأْس به، وهو قول مالك والشافعي وأَحمد. وفي «الفصول»: لو كان الاستحلاف عند غير القاضي، كان المُدَّعي على دعواه، لأن المعتبرَ يمينٌ قاطعة للخصومة، وهي اليمينُ عند القاضي. والفتوى على سماعِ البينة بعد يمين الخصم. وإِنما نأخذ في ذلك بفعل عمر رضي الله عنه، فإِنه جَوَّز قَبُول بَيِّنَة المُدَّعي بعد حَلِفِ المُدَّعى عليه، وبقول شُرَيْح: اليمينُ الفاجرةُ أَحق بالرَّدِ من البينة العادلة.

(ولا تُرَدّ اليمينُ على مُدَّعٍ، وإِنْ نَكَلَ خصمُه). وقال مالك والشافعي: لا يُقضى بالنكول، بل بردّ اليمين على المُدَّعي، لأن النكولَ يحتملُ التورع عن اليمين الكاذبة والترفع عن الصادقة، كما فعله عثمان، ويُحْتمل أَنْ يكون لاشتباه الحال، ومع هذا الاحتمال لا يكون حجة. ويمين المُدَّعي دليل الظهور، كما كانت يمين المُدَّعى عليه، فيصار إليه.

ولنا ما في الصحيحين عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يُعطى الناسُ بدَعْوَاهم لادَّعى رجالٌ أَموالَ قوم ودماءَهم، لكنَّ البَيِّنَةَ على المُدَّعِي واليمين على المُدَّعى عليه». وفي رواية: «اليمينُ على من أَنكر». وفي رواية البيهقي عن ابن عمرو (٣) بلفظ: «المدعى عليه أَولى باليمين، إِلا أَنْ تقوم عليه البينة».

ووجه الدلالة أَنه صلى الله عليه وسلم قَسَم، والقِسْمةُ تنافي الشركة، فدل على أَنْ جنس الأيمان في جانب المُدَّعى عليه، ولا يمين في جانب المُدَّعي، إِذْ الألف واللام لاستغراق الجنس، فمن جَعَلَ بعض الأيمان حجة للمُدَّعي فقد خالف هذا الحديث الذي تلقته


(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ١٠/ ٢٥٢.
(٢) حرفت في المطبوع إِلى: "اشهد".
(٣) في المطبوع: ابن عمر. والمثبت من المخطوط وهو الصواب الموافق لما في سنن البيهقي ١٠/ ٢٥٦، كتاب الدعوى والبينات، باب المتداعين يتداعيان … فالبيهقي أورده عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَدِّه. وجَدُّه هنا هو عبد الله بن عمرو. انظر تفصيل الكلام حول رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في "بُلغة الأريب" للزَّبيدي، ص ١٩٠، والتتمة عليه لشيخنا الفاضل عبد الفتاح أبو غدّة رحمه الله ص ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>