الاختلاف في حق البائع، وبينتُهُ تُثبتُ الحقَ لنفسه في العبد، وبينةُ المشتري تنفي ذلك، والبينة للإثبات دون النفي (وإِنْ عَجَزَا) في الصور الثلاث عن إِقامة البينة، قيل للمشتري فيما إِذا كان الاختلاف في قدر الثمن: إِما أَنْ ترضى بالثمن الذي ادّعاه البائع وإِلا فسخنا البيعَ، وقيل للبائع فيما إِذا كان الاختلاف في قدر المبيع: إِما أَنْ تُسلِّم ما ادعاه المشتري من القَدْر وإِلا فسخنا البيع. وإِنما يقال لهما ذلك لأن المقصود قطع المنازعة، وهذا طريق فيه، إِذْ ربما لا يرضيان بالفسخ، فإِذا عَلِما به يتفقان.
(رضي كلٌ بزيادة يدّعيها الآخَر) فذلك هو المطلوب (وإِلا) أَي وإِنْ لم يرض كلٌّ بزيادة يدعيها الآخر (تحالفا) أَي حَلَفَ كلُ واحدٍ منهما على دعوى الآخر، بأَن يحلفَ البائع بالله ما باعه بما ادعاه المشتري، ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بما ادّعاه البائع. والمعنى فيه أَنّ اليمينَ يجب على المُنْكر وهو النافي، فيحلف على هيئة النفي إِشعاراً بأَن الحَلِفَ وجب عليه لإنكاره. وإِنما وَجَبَ على البائع والمشتري جميعاً لأن كلاً منهما منكرٌ، لأن الخلافَ إِنْ كان في قَدْر الثمن وقَدْر المبيع، فيكون كل منهما منكِراً ظاهراً، وإِنْ كان في أَحدهما فواحدٌ منهما يدّعي زيادة البدل والآخرُ ينكره، والمنكِر منهما يدّعي وجوبَ تسليم البدلِ على صاحبه عند تسليمه المُبْدَل، والآخر يُنكره فصارا مُدَّعِيَين ومنكِرين.
(وحَلفَ المشتري أَوّلاً) وهو قول محمد، وأَبي يوسف آخِراً، وهو رواية عن أَبي حنيفة وقولٌ زفر والشافعي في وجه، لأن المشتري أَشدهما إِنكاراً لأنه يُطالَبُ أَولاً بالثمن فينكر، فيكون بادئاً بالإنكار، ولأن إِنكار البائع مبني على إِنكاره.
وقال أَبو يوسف أَولاً يُبدأَ بيمين البائع، وهو قول مالك والشافعي وأَحمد في الأصح، لما أَخرجه أَصحاب «السنن الأربعة»، أَنْ عبد الله بن مسعود باع للأشعث بن قيس رقيقاً من رقيقِ الخُمْس بعشرين أَلف درهم، فأَرسل عبد الله إِليه في ثمنهم، فقال: إِنّما أَخذتُهم بعشرة آلاف، فقال عبد الله: إِنْ شئتَ حدّثْتُكَ بحديثٍ سمعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذا اختلف المتبايعان ليس بينهما بينة، فالقول ما يقول رَبُّ السِّلعة أَوْ يتتاركان»(١) . وأُجيب بأَن المنذري قال: قد رُوِيَ هذا الحديث من طرقٍ عن ابن مسعود، وكلها لا يثبت. وقال ابن الجوزي في «التحقيق» أَحاديث هذا الباب فيها مقال. ودُفع هذا الجواب بأَن صاحب «التنقيح» قال: والذي يَظْهَر أَنْ
(١) أَخرجه أَبو داود في سننه ٣/ ٧٨٠ - ٧٨٣، كتاب البيوع والإجارات (٢٢)، باب إذا اختلف البَيِّعان والمبيع قائم (٧٢)، رقم (٣٥١١).