للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وشُبْهَتِهِ. ويَثْبُتُ بشهادةِ أَربعةٍ بالزِّنَا،

===

وشبهتِهِ) كمعتدة البائنِ الثلاث. قال صاحب «الهداية»: ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: («ادرؤا الحدودَ بالشبهات». رواه ابن عَدِي بهذا اللفظ، والمعروف:) (١) «ادرؤا الحدودَ عن المسلمينَ ما استطعتم». رواه أَحمد وغيره. ولا بد من تقييد الوطاء بكون الموطوءةِ مُشتهاة، ليخرج وطءُ البهيمةِ والتي لا تُشْتهى لموت أَوْ صغرٍ، وبكون الواطء مكلفاً طائعاً ليخرج المجنونُ والصبي والمُكْرَه، وبالقُبُلِ لأن الزنا يختص به عند أَبي حنيفة وأَلحقا به الدُّبر، فرتَّبا على الإيلاج فيه الحد، لما سيأتي.

(ويَثْبُتُ) الزنا ثبوتاً ظاهراً عند القاضي (بشهادةِ أَربعةٍ) لا بمجردِ علم القاضي، لأن علمَه ليس بحجةٍ في هذا، لأن الحدودَ تندفع بالشُبهة والتُّهْمة، وإِن كان القِيَاسُ أَنه حجةٌ، كما قاله أَبو ثور والشافعي (بالزنا) لا بالوطء ولا بالجماع، لأن لفظ الزنا هو الدال على فعلِ الحرام والفاحشةِ، كما قال الله تعالى: {ولَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وسَاءَ سِبْيَلاً} (٢) والوطءُ والجماعُ محتملان. وشُرِط في الشهود أَنْ يكونوا أَربعةً، لقوله تعالى: {واللاتي يَأتِيْنَ الفَاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (٣) وقوله: {والّذين يَرْمُوْنَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بأَربعةِ شُهَدَاءَ} (٤) .

وذلك لأن الله تعالى يحبُ الستر على عبادِهِ. وفي اشتراطِ الأربعة يتحقق معنى الستر، إِذْ وقوف الأربعةِ على هذه الفاحشة في غاية من النُّدْرة. ويُشترط اتحادُ مجلس شهادتهم، وبه قال مالك، وأَحمد، والأوزاعي، والحسن بن صالح، حتى لو شَهِدُوا بالزنا متفرقين يُحَدُّون حدَّ القذف، ومجلسُ شهادتِهِم هو ما دام الحاكم جالساً. ولا يُشترط عند الشافعي اتحادُ مجلِسِهم لإطلاق قوله تعالى: {فاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (٥) وللاعتبار بسائر الحقوق.

ولنا قول عمر: ولو جاءَ مثلُ ربيعةَ ومُضَر فُرَادى لجلدتُهم، ولأن قولَ الواحد قبل قول غيره يقعُ قذفاً، وكذا الثاني والثالث، فلا ينقلب شهادةً. ولو كان الزوجُ أَحدَهم تُقبل عندنا، ولا تُقبل عند الشافعي، لأن فيه تُهمة. ولنا أَنه يُعَيَّرُ بزنا امرأَته، فكان أَبعد عن التهمة، وصار كشهادةِ الوالد على زنا ولده.


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٢) سورة الإسراء، الآية: (٣٢).
(٣) سورة النساء، الآية: (١٥).
(٤) سورة النور، الآية: (٤).
(٥) سورة النساء، الآية: (١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>