للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيسأَلُهم الإمامُ: ما هو؟ وكيف هو؟ أَين زنا؟ ومتى زنا؟ وبمَنْ زنا.

فإِن بَيَّنُوا وقالوا: رأَينا كالمِيل في المُكْحُلَةِ، وعُدِّلوا سِرًّا وعلَنًا، حَكَمَ بِهِ، وبإقرَارِه أَربعًا

===

(فيسأَلُهم) أَي فإِذا شَهِدُوا سأَلهم (الإمام) أَوْ نائبه في الأحكام (ما هو) أَي عن ماهيةِ الزنا، لأنه قد يُطلق على كل فعل حَرَامٍ بالنسبة إِلى النساءِ، ففي الحديث: «إِنْ العينَانِ لتزْنِيَانِ وزِنَاهُمَا النَّظَر، وإِن اليَدَيْن لتزنيان وزناهما البَطْش، وإِن الرجلَين لتزنيان وزناهما المشيُ، والفرجُ يصدِّق ذلك أَوْ يُكذبه» (١) .

(و) يسأَلهم (كيف هو) أَي عن كيفيته، لئلا يكون ما شهدوا به وقع منه وهو مُكْرَه، أَوْ تماسّ بالفرجين لا إِيلاج، (و) يسأَلهم (أَين زنا) أَي عن مكانِهِ، لأن الزاني في دار الحرب أَوْ البغي لا يُحد.

وعند الشافعي يُحد. ولنا ما رواه البيهقي عن الشافعي قال: قال أَبو يوسف: حدثنا بعض مشايخنا عن مكحول عن زيد بن ثابت قال: لا تقام الحدود في دار الحرب مخافَة أَنْ يلحقَ أَهلُهَا بالعدو. وروى الترمذي والنسائي عن بُسْر بن أَرطاة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُقطع الأيدي في السفر». ولفظ الترمذي: في الغزو. وأَما قول صاحب «الهداية»: ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُقام الحدود في دار الحرب» فرفعُهُ غيرُ معروف.

(و) يسأَلُهم (متى زنا) أَي عن زمانه، لأن الزنا المتقادِم، أَوْ في حال الصِّبى أَوْ الجنون لا يُوجب الحد. ومدة التقادم شهر في الأصح. (و) يسأَلهم (بمن زنا)، لئلا تكون زوجته أَوْ جاريته، أَوْ جارية ابنه، أَوْ موطوءة بشُبهة لا يعلمون بها.

(فإِن بيَّنُوا) ما سأَلهم عنه (وقالوا: رأَينا) الرجل زنا بها (كالمِيل في المُكْحُلة) وهو بضمتين: وعاء الكُحل (وعُدِّلوا سراً وعلَنَاً) أَما عند مَنْ لا يَكْتَفِي بظاهرِ العدالة في غير الحدود من الحقوق فهو ظاهر، وأَما عند من يَكْتَفِي فهو احتيال في درء الحدود منه احتياطاً (٢) (حَكَمَ بِهِ) أَي بالزنا أَوْ بالحد. قيد ببيان الشهود ما سأَلوا عنه، لأنهم لو لم يبيِّنُوا بأَن لم يزيدوا على قولهم: زنا، لا يُحدُّ المشهودُ عليه للشبهة، ولا الشهود لأنهم شهدوا بالزنا، وسؤالهم إِنما هو للاحتياط، حتى لو وصفُوه بغير وصفِهِ يُحدَّون، ثم القاضي يحبسُ المشهودَ عليه بالزنا حتى يسأَل عن الشهود.

(وبإِقراره) أَي ويثبتُ الزنا بإِقرار الزَّاني بأَنه زنا، حراً كان أَوْ عبداً (أَربعاً) أَي


(١) أَخرجه الإمام أَحمد في المسند ٢/ ٣٤٣.
(٢) عبارة المخطوط: "فهو احتيال في درء الحد ودفعه احتياطًا … ".

<<  <  ج: ص:  >  >>