للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

رددت ماعزاً؟. قال: «وما ذاك؟» قالت: إِني حُبْلَى من زنا. فقال لها: «حتى تضعِي ما في بطنكِ؟» قال: فَكَفَلَهَا رجلٌ من الأنصار حتى وضعت. ثم أَتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغَامِدِيّة. فقال: «إِذاً لا نرجمها ونَدَع ولدها صغيراً ليس له من يُرْضِعُهُ». فقام رجلٌ من الأنصار فقال: إِليْ رضاعه يا رسول الله، فرجمها.

قالوا: وإِنما ردّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ماعزاً أَربعَ مْراتٍ، لأنه صلى الله عليه وسلم ظنَّ أَنْ في عقله شيئاً، لا لكونه شرطاً، في وجوب الحدّ.

وقد جاء في «صحيح مسلم» عن جابر بن سَمُرَة قال: أُتِيَ رسول صلى الله عليه وسلم برجلٍ قصيرٍ أَشعثَ (١) ، ذي عضلاتٍ، عليه إِزارٌ، وقد زنى. فردّه مرتين، ثم أَمر به فرُجِمَ. والعَضَلة بفتحتين: كل لحمة صلبة.

وفيه أَيضاً عن أَبي سعيد الخُدْرِي: «أَنه اعترف بالزنا ثلاث مراتٍ. قالوا: وهذا يُضْعِفُ القول باشتراط الأربع. وأُجيب عن حديث العَسِيف بأَنْ معناه: «واغدُ يا أُنَيْس على امرأَة هذا، فإِن اعترفت» الاعتراف المعهود بالردّ أَربع مراتٍ. وأَمّا حديث الغامدية، فالجواب عنه أَنْ الراوي قد يختصر الحديث، ولا يلزم من عدم الذِّكْر عدمُ الوقوع. وأَيضاً فقد ورد في «مسند البزَّار»: أَنه ردَّها أَربع مراتٍ.

وأَمّا قولهم: أَنه صلى الله عليه وسلم ردّ ماعزاً أَربع مرّاتٍ لأنه ظنّ أَنْ بعقله شيئاً، فالجواب عنه: أَنْ النبي صلى الله عليه وسلم سأَل عن عقله بعد اعترافه الرابعة، لما في الصحيحين من حديث جابر ابن عبد الله: أَنْ رجلاً من أَسلم جاء إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزِّنا فأَعرض عنه، ثم اعترف فأَعرض عنه، حتّى شهد على نفسه أَربع شهادات. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أَبك جنونٌ؟» قال: لا. قال: «فهل أُحْصِنْتَ؟» قال: نعم، فأَمر به فرُجِمَ. زاد البخاري: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً، وصلّى عليه. انتهى.

ولو كان التكرار أَربعة إِنما هو لاختبار عقله لَمَا كان في السؤال عنه بعد الرابعة فائدةٌ، وكيف وقد ورد أَنه صلى الله عليه وسلم ردّه بعد أَنْ أُخْبِرَ بعقله فيما رواه مسلم من حديث بُرَيْدَة (٢) : أَنْ ماعزاً أَتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّه، ثم أَتاه الثانية من الغد فردَّه، ثم أَرسل إِلى قومه: «هل تعلمون بعقله بأساً؟» فقالوا: ما نعلمه إِلا وَفيّ العقل من صالحينا. فأَتاه


(١) شَعِثَ الشعر: تغيَّر وَتَلَبَّدَ لقلّة تعهده بالدُّهن. المصباح المنير ص ٣١٤، مادة (شعث).
(٢) حُرِّفت في المطبوع إِلى: أَبي بُرَيْدة، والمثبت من المخطوط وهو الصواب لموافقته لما في صحيح مسلم ٣/ ١٣٢٣، كتاب الحدود (٢٩)، باب من اعترف على نفسه بالزنا (٥)، رقم ٢٣ - ١٦٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>