للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإِنْ بَيَّن حُبِّبَ تَلْقِينُهُ رُجُوْعَهُ، بِـ: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ وَنَحْوه،

===

الثالثة، فأَرسل إِليهم أَيضاً يسأَل عنه، فأَخبروه: أَنه لا بأْس به ولا بعقله. فلمَّا كان الرابعة حَفَرَ له حُفَرَةً فرجمه.

وفي «مسند أَحمد»، و «مصنف» ابن أَبي شَيْبَة عن عبد الرحمن بن أَبْزَى، عن أَبي بكر أَنه قال: أَتى ماعز بن مالك النبيّ صلى الله عليه وسلم فاعترف وأَنا عنده مرّةً فردّه، ثم جاء فاعترف عنده الثانية فردّه، ثم جاء فاعترف عنده الثالثة، فردّه، فقلت له: إِنْ اعترفت الرابعة رجمك. قال: فاعترف الرابعة فحبسه، ثم سأَل عنه، فقالوا: لا نعلم به إِلاَّ خيراً، فأَمر به فرُجِمَ. وهذا صريح الدلالة على اشتراط الأربع لكن في إِسناده جابراً الجُعْفِيّ.

وأَما قولهم: جاء في الصحيح: أَنه صلى الله عليه وسلم ردّه مرتين أَوْ ثلاث مرّات، فالجواب عنه أَنه ردّه مرتين بعد مرتين، واختصره الراوي، يدلّ على ذلك ما رواه أَبو داود والنَّسائي من حديث سِمَاك، عن عِكْرِمة، عن ابن عبّاس قال: أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بماعزِ بن مالك، فاعترف مرتين، فقال: «اذهبوا به»، ثم قال: «ردوه». فاعترف مرتين حتّى اعترف أَربعاً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا به فارجموه». فتبين من هذا أَنْ المرتين المذكورتين في «الصحيح» من الأربع، وكذا رواية الثلاث. وتتفق بذلك الأحاديث، والله تعالى أَعلم.

ولا يُعْتبر إِقراره عند غير القاضي ممّن لا ولاية له على إِقامة الحدود ولو كان أَربع مراتٍ، حتّى لا تُقْبل الشهادة عليه بذلك، لأنه إِنْ كان منكراً فقد رجع عن إِقراره، وإِن كان مقرّاً فلا تُعْتَبر الشهادة بالإقرار مع الإقرار. ولو أَقرّ بالزنا مرتين، وشهد عليه أَربعة لا يحدّ عند أَبي يوسف. وقال محمد: يُحَدّ لأن هذا الإقرار ليس بحجَّة، فلا يعتدّ به، فبقيت الشهادة وحدها حُجَّة فتُقْبل. ولأبي يوسف: أَنْ الإقرار موجودٌ حقيقةً، لكنه غير مُعْتَبرٍ شرعاً، فأَورثت حقيقتُه شبهةً، والحد يُدْرأ بالشبهة. ولا شبهة أَنّ حجَّة محمد أَقوى، فإِن الشهادة إِذا كانت وحدها حجّة فكيف يُورِث بتأْكيد إِقراره شبهة.

(فإِنْ بَيَّنَ) أَي المقِرُّ ما مرّ أَنه يُسْأَلُ عنه (حُبِّبَ) أَي نُدِبَ (تَلْقِينُهُ رُجُوْعَهُ، بِـ: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ وَنَحْوِهِ) وهو لعلك قبَّلْت، لعلّك وطئت بشبهةٍ، لما في «المستدرك» عن حَفْص بن عمر العَدَني: حدّثنا الحكم بن أَبان، عن عِكْرِمة، عن ابن عبَّاس: أَنَّ ماعزاً أَتى إِلى رجلٍ من المسلمين فقال له: إِني أَصبت فاحشةً، فما تأَمرني؟. فقال له: فاذهب إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك، فأَتى النبي صلى الله عليه وسلم فأَخبره، فقال له: «لعلَّكَ قَبَّلتها». قال: لا. قال: «أَمسستها؟ (١) ». قال: لا. قال: «فعلت بها كذا ولم


(١) في المخطوط: لمستها، والمثبت من المطبوع، وهو الصواب لموافقته لرواية الحاكم في المستدرك ٤/ ٣٦١ - ٣٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>