للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وأَمّا ما رواه أَبو داود والترمذي من قوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ وَجَدْتُمُوْه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به». وفي لفظٍ: «فارجموا الأعلى والأسفل». فمحمولٌ على هذا المقيّد. وفي قولٍ لمالك والشافعي: يرجمان بكل حالٍ، ولأنه في معنى الزنا بل أَقبح. ولأبي حنيفة رحمه الله: أَنه ليس بزنا، فلا يثبت فيه حدُّه، وذلك لأن الصحابة قد اختلفوا في موجَبه: فمنهم من أَوجب فيه التحريق بالنار، ومنهم من قال: يُهْدَم عليه الجدار، ومنهم من قال: يُنَكَّس (١) من مكانٍ مرتفعٍ مع اتباع الأحجار. ولو كان زناً لَمَا اختلفوا، كذا ذكره بعض المحققين.

ثم ذكر (٢) ما نُقِلَ عن الصحابة فقال: روى البيهقي في «شُعَبِ الإيمان» من طريق ابن أَبي الدنيا بسنده أَنّ خالد بن الوليد كتب إِلى أَبي بكر أَنه وجد رجلاً في بعض (نواحي) (٣) العرب يُنْكَح كما تُنْكَح المرأَة، فجمع أَبو بكر الصحابة فسأَلهم، فكان من أَشدهم في ذلك قولاً عليّ رضي الله عنه قال: هذا ذنبٌ لم تعص به إِلاّ أُمةٌ واحدةٌ صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أَنْ تُحرِّقَه بالنار، فاجتمع رأَي الصحابة على ذلك.

وروى الواقدي في كتاب «الرِّدة» بسنده وقال: كتب خالد إِلى أَبي بكرٍ الصديق: أُخبرك أَني أُتِيْتُ برجلٍ قامت عندي البيّنة أَنه يُوْطَأُ في دُبُره كما تُوْطأُ المرأَة، فدعا أَبو بكرٍ الصحابة واستشارهم فيه، فقال له عمر وعليّ: احرِقْه بالنار، فإِنْ العرب تأْنفُ أَنفاً لا يأْنفه أَحدٌ غيرهم. وقال غيرهما: اجلدوه. فكتب أَبو بكرٍ إِلى خالدٍ أَنْ احرقه بالنار، فَحَرَقه.

وروى ابن أَبي شَيْبَة في «مصنفه» عن أَبي نَضْرَة قال: سُئِلَ ابن عباس ما حدُّ اللوطي؟ قال: ينظر إِلى أَعلى بناءٍ في القرية ـ فيُرْمَى منه مُنَكَّسَاً ثم يتبع بالحجارة. وكأَن مأْخذهم هذا أَنْ قوم لوطٍ أُهْلِكُوا بذلك حيث حُمِلَت قراهم ونُكِّسَت بهم. ولا شكٌ في اتباع الهديم (٤) بهم وهم نازلون. انتهى.

والظاهر أَنْ عذابهم كان مُرَكَّباً من التنكيس، وإِمطار الحجارة عليهم. ثمّ إِنْ أُرِيْدَ من التعزير ما ذُكِرَ في بابه، فلا شكّ أَنه ليس قولَ أَحد من الصحابة، وإِنما هو إِحداث قول آخر، فإِنه لا يجوز، فتعيّن ما قال صدر الشريعة: إِنْ عند أَبي حنيفة رحمه الله يعزّر بأَمثال هذه الأمور، والله تعالى أَعلم.


(١) نكسه: قَلَبه على رأَسه. القاموس المحيط ص ٧٤٦، مادة (نكلس).
(٢) أي أَبو حنيفة.
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٤) الهديم: كلٌّ ما تهدُم فسقط. المعجم الوسيط ص ٩٧٧، مادة (هدم).

<<  <  ج: ص:  >  >>