للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

كان عليّ لا يقطع إِلاّ اليد والرجل، وإِن سرق بعد ذلك سجنه، ويقول: إِني لأستحي من الله أَنْ لا أَدع له يداً يأْكل بها ويَسْتَنْجِي بها. وقول ابن عباس كقول عليّ رواه ابن أَبي شَيْبَة.

وأَخرج البيهقي عن عبد الله بن سَلَمة، عن عليّ أَنه أُتِي بسارقٍ فقطع يده، ثم أُتِيَ به فقطع رجله، ثم أُتِي به فقال: أَقطع يده، فبأَيّ شيءٍ يتمسَّح؟ وبأَيّ شيءٍ يأَكل؟ أَقطع رجله، على أَي شيء يمشي؟ إِني لأستحي من الله، ثم ضربه وخلّده في السجن.

وفي «تنقيح ابن عبد الهادي» عن أَبي سعيد المَقْبُرِيّ قال: حضرت عليّ بن أَبي طالبٍ وقد أُتِي برجلٍ مقطوع اليد والرجل قد سرق، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أَمير المؤمنين. قال: أَقتله إِذاً، وما عليه القتل بأَيّ شيءٍ يأكل الطعام؟ بأَي شيءٍ يتوضَّأُ للصلاة؟ بأَي شيءٍ يغتسل من جنابته؟ بأَي شيءٍ يقوم على حاجته؟ فردّه إِلى السجن أَياماً، ثم استخرجه فاستشار أَصحابه، فقالوا مثل قولهم الأول، وقال لهم مثلما قال أَوّل مرّة فجلده جلداً شديداً، ثم أَرسله.

وروى ابن أَبي شَيْبَة عن أَبي خالد، عن حجّاج، عن سِمَاك، عن بعض الصحابة: أَنْ عمر استشارهم في سارقٍ، فأَجمعوا على مثل قول عليّ. ورُوِيَ أَيضاً عن أَبي أُسَامة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن مكحول: أَنْ عمر قال: إِذا سرق فاقطعوا يده، ثم إِنْ عاد فاقطعوا رجله، ولا تقطعوا يده الأخرى، وذروه يأكل بها ويَسْتَنْجِي بها، ولكن احبسوه عن المسلمين. وأَخرج عن النَّخَعِيّ قال: كانوا يقولون: لا يترك ابن آدم مثل البهيمة ليس له يدٌ يأكل بها ويستنجي بها. انتهى.

ولعلهم حملوا قطع النبيّ عليه الصلاة والسلام وأَبي بكر على السياسة، كما حملوا قتله في الخامسة عليها إِجماعاً. ثم رأَيت بعض المحققين ذكر أَنه لا شكّ في ثبوت هذه المرويات، وهي تستلزم نسخ مَرويِّ الإتيان على أَرْبَعَةِ السارق (١) ، على تقدير ثبوته، أَوْ أَنه كان لمعنى زائدٍ في السارق بدليل أَمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقتله من أَول سرقة. انتهى. ولا يبعد أَنْ يكون مَأْخَذ المُرْتَضِي هو قياس السرقة الصغرى بالكبرى حيث اقتصر فيها مع عِظَم جُرْمها (٢) على قطع أَيديهم وأَرجلهم من خلاف.


(١) أي هذه المرويات تستلزم نسخ ما روي من قطع الأعضاء الأربعة للسارق: اليدان والرجلان، على تقدير ثبوت روايات قطع الأعضاء الأربعة. وقد فصَّل الزيلعيُّ الكلام عليها في "نصب الراية" ٣/ ٣٦٨ الحديث التاسع، و ٣/ ٣٧١ - ٣٧٣، وبين أنها أحاديث ضعيفة، وأقواها ما رواه الحاكم وقال عنه صحيح الإسناد. انظر المستدرك ٤/ ٣٨٢.
(٢) عبارة المطبوع: مع عظم حرمتها، والمثبت عبارة المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>