للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإنْ أَبَوْا، فَإِلَى الجِزْيَةِ، فَإِنْ قَبِلُوا، فَلَهُمْ مَا لَنَا، وَعَلَيهِم مَا عَلَينَا.

فَإِنْ أَبَوْا يُقَاتِلُهُمْ بِمَا يُهْلِكُهُمْ،

===

يقولوا: لا إله إلاّ الله، فمن قالها عَصَمَ مني ماله ونفسه إلا بحقِّهِ، وحسابهُ على الله». وروى أحمد وعبد الرَّزَّاق في «مصنفه» عن سفيان الثوري، عن ابن أبي نَجِيح، عن أبيه، عن ابن عباس قال: ما قاتَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً حتّى دعاهم إلى الإِسلام.

(فَإِنْ أَبَوْا) عن الإِسلام (فَإِلَى الجِزْيَةِ) أي فيدعوهم إلى قَبُول الجزية، لما رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أمَّرَ أميراً على جيشٍ أو سريّةٍ أمره به. وهذا إن كانوا ممّن تُقبل منهم الجزية، وأمّا مَنْ لا تقبل منهم كالمرتدينَ وعبدة الأوثان من العرب الذين لا يُقبل منهم إلا الإسلام، فلا فائدة في دعائِهِم إلى الجزية. (فَإِنْ قَبِلُوا) إعطاء الجزية، (فَلَهُمْ مَا لَنَا) وليس معناه أنه يجب عليهم من العبادات وغيرها ما يجبُ علينا، لأنّ الكفارَ لا يخاطبون بالعبادات عندنا، (وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا) أي إذا تعرَّضنا لدمائهم وأموالهم، أو تعرّضوا لدمائنا وأموالنا، لقول عليّ: من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا، ودِيَتُه كدِيَتِنَا. رواه الدَّارَقُطْنِيّ، وفي إسناده أبو الجَنُوب (١) . وأمّا في «الهداية» لقول عليّ: إنما بذلوا الجزية ليكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا. فلا يعرف بهذا اللفظ.

(فَإِنْ أَبَوْا) من قَبُول الجزية (يُقَاتِلُهُمْ) أي الإمام (بِمَا يُهْلِكُهُمْ) من رميٍ بِمَنْجَنِيقٍ، وتحريقٍ بنارٍ، وتغريقٍ بماءٍ، ولو كان معهم مسلم. وقال مالك والشافعيّ وأحمد: إذا عَلِمَ أَنّ فيهم مسلماً وأنه يتلفُ بهذا الصُّنعِ، لم يَحِلّ، إلا إن يَخْاف انهزامَ المسلمين إذا لم يفعل. ولنا: أنه لو اعتبر هذا المعنى لانسد باب القتال معهم، لأن حصونَهم ومدائنهم قلّ ما يخلو عن مسلم، وأما لو غلب على حصنهم وكان فيهم ذميٌّ مجهولٌ لا يُعرف بعينه، فلا يجوز قتل العام. ولو تَتَرَّسُوا بأُسارى من المسلمين أو بصبيانٍ منهم لم يَكُفَّ عنهم، ويقصدُهم دون مَنْ تَتَرَّسُوا به، لأنه يَلْزمُنَا التمييز فعلاً إن قَدَرنا عليه، وإلاّ يلزمُنَا نيتُه، إذ الطاعة بحسب الطاقة، ولا ديَة علينا ولا كفارةَ فيما أصبنا منهم، لأن الجهاد فرضٌ، فيمنع كون الفعل تعدياً.

وقال مالك والشافعيّ وأحمد: إن لم تدعُ الضرورةُ إلى رميهم لم يجز رميهم.

هذا، وقال الواقدي في «كتاب المغازي»: قال سلمان الفارسي: يا رسول الله


(١) حُرِّفت في المخطوط إِلى: أَبو الحبوب، والمثبت من المطبوع، وهو الصواب لموافقته لما في سنن الدَّرَاقُطنِيّ ٣/ ١٤٧ - ١٤٨، كتاب الحدود والدِّيات وغيره، رقم (٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>