أما أمان الحرّ، فلأنه من أهل القتال ومنعة الإسلام. وأمّا أمان الحرّة، فلما في «الصحيحين»: أنّ أمَّ هاناء قالت: يا رسول الله زعم ابن أمِّي عليّ بن أبي طالب أنه قاتلٌ رجلاً أجَرْتُهُ، فلانٌ ابن هُبَيْرَة، فقال عليه الصلاة والسلام:«قد أجرنا من أجَرْتِ، وأَمَّنَّا من أمَّنْتِ». وفي «معجم الطَّبَراني» عن أنس بن مالك أنّ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أجارت أبا العاص، فأجاز النبيّ صلى الله عليه وسلم جوارها. وأنّ أمّ هاناء بنت أبي طالب أجارت عَقِيلاً، فأجاز النبيّ صلى الله عليه وسلم جوارها. وقال:«يجير على المسلمين أدناهم».
(وَإِنْ كَانَ) أمان الحرّ أو الحرّة (شَرّاً نَبَذَ) الإمام أو نائبه الأمان رعايةً لمصلحة المسلمين، وتحرّزاً عن الغدر. (وَأدَّبَ) الحرّ والحرّة لاستبداده برأيه في الحرب دون الإمام، بخلاف ما إذا كان الأمان خيراً حيث لا يُؤَدَّبُ واحدٌ منهما، لأنه ربما تفوت (المصلحة)(١) بالتأخير فيكون معذوراً (وَلَغَا أَمَانَ ذِمِّيَ) لأنه يُتَّهم لكونه يوافقهم اعتقاداً، ويميل إليهم فساداً إلاّ إذا أمره مسلمٌ أنْ يُؤَمِّنَهم فيجوز أمانه، لزوال ذلك المعنى برأي المسلم. وعن مالك: يصحّ أمانه، لأن له ذمة فكان تابعاً للمسلمين، والمشهور عنه: أنه لا يصحّ. (وَ) لغا أمان (أَسِيرٍ وَ) أمان (تَاجِرٍ) مسلمٍ (مَعَهُمْ وَ) أمان (مَنْ أسْلَمَ ثَمَّة) أي في دار الحرب (ولَمْ يُهَاجِرْ إِلَيْنَا) لأن هؤلاء مقهورون تحت أيديهم فلا يخافونهم، والأمان إنَّما يكون من الخوف.
ولغا أمان مسلمٍ إذا دخل عسكرَ أهل الحرب في دار الإسلام وأمِنَهُمْ، لأنه مقهورٌ بمنعتهم. وشُرِط صيرورة دار الإسلام دار الحرب: زوال الأمن من المسلمين على أموالهم وأنفسهم، واتِّصال الدَّار بالدّار بلا فصلٍ بينهما، وظهور أحكام الكفر فيها عند أبي حنيفة. واكتفيا بالشرط الثالث في صيرورتها دار حربٍ، كعكسه وهو صيرورة دار الحرب دار الإسلام، فإنه بظهور أحكام الإسلام فيها من غير شرطٍ آخر.
(وَ) لغا (أَمَانَ صَبِيَ و) أمان (عَبْدٍ مَحْجُورَيْنِ) عن القتال (وَ) أمان (مَجْنُونٍ) لأن قول الصبيّ والمجنون لا يعتبر كما في الطلاق والعتاق. وقال محمد: يصحّ أمان الصبيّ المحجور، وهو قول مالك وأحمد، قيّد بكونه محجوراً عن القتال، لأنه لو