للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَصَحَّ أَمَانُ حُرٍّ وَحرَّةٍ،

===

الصلح على شرف النقض أو الانقضاء، ولا يُمْنَعُ أحدٌ من إدخال الطعام والثياب بلادهم. والقياس أن يُمْنَعَ، لأن فيه تقويتهم إلاّ أنا تركناه، لما رواه البَيْهَقي في «دلائل النبوة» عن أبي هُرَيْرَةَ فذكر قصة إسلام ثُمَامة في آخرها. فقال: إني والله ما صبوت ولكن أسلمت وصدّقت محمداً وآمنت به، والذي نفسُ ثُمَامة بيده لا تأتيكم حبةٌ من اليَمَامة ما بقيت حتى يأذن فيها محمدٌ صلى الله عليه وسلم. وانصرف إلى بلده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثُمَامة يخلِّي إليهم حمل الطعام، ففعله عليه الصلاة والسلام.

ولو شرطوا (في الصلح) (١) أن يردّ عليهم الإمام من جاء منهم مسلماً بطل الشرط عندنا، وبه قال مالك. وقال الشافعي وأحمد في رواية: يجب الوفاء به في الرجال دون النساء، لأن سُهَيْلاً شرط على النبيّ صلى الله عليه وسلم في صلح الحُدَيْبِيَة أنّ من جاء منهم يردّه إليهم. ولنا: قوله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلى الكُفَّارِ} (٢) والشرط الذي (وقع) (٣) في صلح الحُدَيْبِيَة انتسخ بما تلونا، لأنّه كان شاملاً للذكور والإناث.

(وَصَحَّ أَمَانُ حُرَ وَحُرَّةٍ) لكافرٍ أو لجماعةٍ أو لأهل حصنٍ أو مدينة مؤبداً أو مؤقتاً، لما روى البخاري في الجهاد ومسلم في الحج من حديث عليّ بن أبي طالب قال: ما كتبنا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلاّ القرآن، وما في هذه الصحيفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة حَرَمٌ، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى مُحْدِثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفاً (٤) ولا عَدْلاً (٥) ، وذمة المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفاً ولا عَدْلاً». والذِّمة: العهد، وأدناهم: أقلّهم، وهو الواحد من الدُّنُوِّ. وفسَّره محمد: بالعبد، فجعله من الدناءة. وأخفرته: إذا نقضت عهده وغدرت به.


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٢) سورة الممتحنة، الآية: (١٠).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٤) الصَّرْف: التوبة، وقيل النافلة. النهاية ٣/ ٢٤.
(٥) العَدْل: الفِدْية. وقيل الفريضة. النهاية ٣/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>